وكذلك من دونهم من أصحابهم وحوارييهم، فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه من السابقين الأولين من المهاجرين، وقد بذل نفسه لله تعالى وماله، وصحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحضر والسفر، ولم يتخلف عنه في غزوة من الغزوات، شهد بدراً والمشاهد كلها، وقد دخل في قول الله تعالى لأهل بدر:(اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم)، وبايع تحت الشجرة فدخل في قول الله تعالى:{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا}[الفتح:١٨]، ودخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم:(والذي نفس محمد بيده لا يلج النار أحد بايع تحت الشجرة)، وشهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتعيين بالجنة، وبين أنه رأى قصره في الجنة، وبعض نسائه في ذلك القصر.
وبين النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيكون من خلفائه بعده فقال:(رأيت في المنام كأنني على فم بئر وبيدي دلو بكرة فانتزعت بها ما شاء الله أن أنزع، ثم تناولها ابن أبي قحافة فانتزع ذنوباً أو ذنوبين وفي نزعه ضعف، والله يرحمه! ثم تناولها ابن الخطاب فاستحالت غربا، فلم أر عبقرياً يفري فريه، حتى ضرب الناس بعطن)، وكذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم:(رأى الناس يعرضون عليه وعليهم قمص، فمنها ما يبلغ الثدي، ومنها دون ذلك، ورأى عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره، قيل: فما أولتها يا رسول الله؟ قال: العلم).
وكذلك فإنه صلى الله عليه وسلم:(أتي في المنام بقدح من لبن فشرب منه حتى رأى الرّي يخرج من تحت أظافره، ثم ناول فضلته عمر بن الخطاب، فقيل: ما أولت ذلك يا رسول الله؟ قال: الإيمان)، ومع هذا ينال الشهادة في سبيل الله في حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد أن خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته عشر سنين وأشهراً وضاعف الرقعة وجاهد في الله، وعدل بين الرعية.
ومع هذا ينال الشهادة في سبيل الله فيبكي بكاءً شديداً ويقول لابنه وقد كان يجعل خده على فخذه:(آليت عليك لتضعن خدي على الأرض)، فيضع خده على الأرض وهو يبكي حتى تقطر دمعتاه على الأرض، فيقول له ابن عباس:(يا أمير المؤمنين! ألم يشهد لك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة؟ ألم تشهد بدراً؟ ألم تبايع تحت الشجرة؟) فيقول: (لعل ذلك على شرط لم يقع، ليتني كنت حيضة حاضتها أمي، وددت أني خرجت من كل ذلك كفافاً لا عليّ ولا لي!)، هذا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، ماذا نقول نحن إذاً؟! إذا كان عمر وهو بهذا المستوى يخاف أن لا يتقبل الله منه، ويخاف أن يكون كل ما شهد له به من الخير على شرط لم يتحقق، فماذا عسى أن نكون عليه من خشية الله وخوفه؟!