للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تزمين الخطط]

الركن الرابع من أركان التخطيط هو: تزمين الخطط، وهو أن يكون لك وقت معين تقيس فيه ما قطعته من أشواط، فلابد أن تعلم (أن المنبت لا أرضاً قطع، ولا ظهراً أبقى)، فأنت لا تستطيع أن تسهر الليل والنهار جميعاً في الطلب، وقد تقرأ في حياة بعض السلف كثرة الاشتغال في الليل والنهار، فمثلاً النووي رحمه الله مكث في وقت الطلب في دمشق أربع سنين لم ينم مضطجعاً، كان ينام مسنداً ظهره إلى اسطوانة، ولم يكن يضطجع خلال هذه المدة، واجتنب بعض المآكل لشبهة فيها ومخالفة لما يهواه، فمثل هذه الأمور نحن لا نطلبها في طالب العلم اليوم، لأن فيها جلد وقوة لا تحصل إلا من الأفذاذ والنوابغ، لكن نريد منك فقط تزمين وتقسيم الأهداف على الوقت الذي لديك، وأن تخطط لمدة محددة، ولو مت قبلها فهي في ميزان حسناتك، وليس هذا من طول الأمل ولا من التسويف، فخطط لمدة محددة، فإذا بلغتها فالحمد لله تكون قد نجحت فيما تريد، وإن لم تبلغها فأنت سائر على الطريق، والإنسان يثاب على نيته وعزمه، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)، وقد حضنا عليه الصلاة والسلام على الأيسر فالأيسر من الأسباب.

أخرج البخاري في الصحيح قال: حدثنا عبد السلام بن مطهر قال: حدثنا عمر بن علي عن معن بن محمد الغفاري عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الدين يسر، ولن يشاد الدين إلا غلبه)، وفي رواية: (ولم يشاد الدين إلا غلبه)، وفي رواية: (ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا، وقاربوا، وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة، وشيء من الدلجة).

فأنت محتاج إلى أن تجعل جزءاً من الوقت لراحتك، وجزءاً لدنياك، وجزءاً لأهلك، وجزءاً لمشاغلك الدنيوية، لكن ما دمت طالباً للعلم فلابد أن تخصص وقتاً للطلب، وهذا الوقت تستغله استغلالاً مبرمجاً، لابد من ذلك، وحينئذ تزمنه وتوزعه، فالعلم لا يؤخذ جزافاً، ولا يمكن أن يحيط به محيط، فلابد أن يوزع، وأن يبدأ بأولوياته ومفاتيحه، وأن تترك الفروع والتوسعات، فإن الوقت غير مناسب لها.

فالوقت هو مثل وقت الناس الآن في الاستعداد لرمضان، فرمضان قد اقترب على الأبواب، وبدأ الناس يستعدون له؛ لأن شعبان سريع الذهاب، وكذلك مدة بقاء هذه الحياة الدنيا وسرعتها، وينبغي أن نتصور هذا التصور، وقديماً قال عبد الله بن المعتز أمير المؤمنين رحمه الله: إذا العشرون من شعبان ولت فواصل شرب ليلك بالنهار ولا تشرب بأقداح صغار فقد ضاق الزمان على الصغار وهكذا يضيق الزمان عن تتبع المسائل العلمية الدقيقة في كل فن من الفنون، ولم يعد الوقت مناسباً لها، وليس معنى هذا أننا نزهد فيها، لا، لكن نرى ترتيب الأوليات في طلب العلم، فلابد أن يبدأ الإنسان بالأولى ثم الذي يليه، فإذا أراد الإنسان أن يضع خطةً لطلبه للعلم، فعليه أن يبدأ أولاً بتحصيل شروط العلم، ثم يبدأ بعدها بالأجنحة التي تطير به، ثم يرتب أولويات العلوم التي يدرسها، وهذه ثلاثة أمور مهمة جداً في التخطيط للعلم.