للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الكلام على قوله سبحانه: (ثم استوى إلى السماء)]

الأنواع الأربعة من أنواع الخلائق في الأرض قابلها الله سبحانه وتعالى بأربعة أنواع من أنواع الخلائق في العالم العلوي، حيث قال: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ} [فصلت:١١ - ١٢]، وهذا يقابل قوله: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} [فصلت:٩]، إذاً: هذه السماوات السبع في العالم العلوي تقابلها الأرضون السبع في العالم السفلي.

{وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا} [فصلت:١٢]، وهذا يقابل قوله: {وَبَارَكَ فِيهَا} [فصلت:١٠]، وهذا الأمر الذي في السماء محجوب عنا ونحن لا نعلمه؛ لأنه ليس مهيئاً لنا، فالسماء ليست مهيأة لأن يسكنها البشر، ومن أجل هذا لم يكتشفوا ما يقابل هذه البركة التي يكتشفونها في الأرض.

ثم قال: {وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ} [فصلت:١٢]، وهذه تقابل الجبال في الأرض في قوله: {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا} [فصلت:١٠]، فالنجوم في السماء بمثابة الجبال في الأرض.

ثم قال: {وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [فصلت:١٢]، وهذا الحفظ هو المقابل لقوله: {وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا} [فصلت:١٠]، فهذا الحفظ الذي في السماء، يقابل الأقوات التي في الأرض، ومن هنا يستغني الملائكة بالحفظ عن الأرزاق، فهم عباد مكرمون، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، وبحفظ الله لهم يستغنون عن الأرزاق، فليسوا مثل أهل الأرض وسكانها يحتاجون إلى هذه الأرزاق.

ومن تدبير الله سبحانه وتعالى أن هذه الخيرات المحجوبة في الأرض، وبالأخص ما يتعلق بالحاجيات والتكميليات لا يمكن أن يكتشف في عصر واحد، ولا أن تستخرج فيه، إذ لو استخرجت فيه لنفذت احتياجات الناس، والبشرية لا تزال تتمدد وتكثر احتياجاتها، فجعل الله تعالى اكتشاف هذه الخيرات بالتدريج، فنحن في هذه البلاد اكتشفنا معدن الحديد، فعاش الناس زماناً على هذا المعدن، ثم بعده اكتشفت معادن أخرى، فيمكن أن يكتشف من المعادن ما هو أيسر وأسهل منه كالنفط مثلاً أو غيره من المعادن الأخرى التي يحتاج الناس إليها، وهكذا في كل البلدان، وهذا تدبير العزيز العليم.