للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنِّي بِعْتُ ذَلِكَ الثَّوْبَ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ أَقْبِضَهُ مِنْهُ بِدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ بِثَوْبَيْنِ مِثْلِهِ مَنْ صِنْفِهِ أَوْ بِسُكْنَى دَارِهِ؟ قَالَ: لَا أَرَى بِهِ بَأْسًا إذَا عَلِمَ أَنَّ الثَّوْبَ قَائِمٌ إذَا وَقَعَتْ الصَّفْقَةُ الثَّانِيَةُ.

قُلْتُ: فَإِنْ اكْتَرَيْت دَارًا لِي بِدَابَّةٍ بِعَيْنِهَا مَوْصُوفَةٍ فِي مَوْضِعٍ بَعِيدٍ وَقَدْ رَأَيْتهَا إلَّا أَنَّهَا فِي مَوْضِعٍ بَعِيدٍ عَلَى أَنْ يَبْتَدِئَ بِالسُّكْنَى السَّاعَةَ؟ قَالَ: لَا يَصْلُحُ ذَلِكَ لِأَنَّ الدَّابَّةَ الْغَائِبَةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا النَّقْدُ وَإِنْ كَانَ ثَمَنُهَا عَرْضًا، وَكَذَلِكَ قَالَ لِي مَالِكٌ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَلَمَّا لَمْ يَصْلُحْ لَهُ فِيهِ النَّقْدُ لَمْ يَصْلُحْ لَك أَنْ تَنْقُدَ فِي ثَمَنِهَا سُكْنَى دَارِك.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ اشْتَرَيْت دَابَّةً وَهِيَ غَائِبَةٌ بِسُكْنَى دَارِي هَذِهِ سَنَةً عَلَى أَنْ لَا أَدْفَعَ الدَّارَ حَتَّى أَقْبِضَ الدَّابَّةَ أَيَجُوزُ هَذَا أَمْ لَا؟ قَالَ: نَعَمْ.

قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟

قَالَ: نَعَمْ.

قُلْتُ: وَلَا تُرَاهُ مِنْ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ؟

قَالَ: لَا لِأَنَّ هَذَا بِعَيْنِهِ وَهُوَ غَائِبٌ، وَإِنَّمَا الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمَضْمُونِينَ جَمِيعًا وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا بِعَيْنِهِ إلَّا أَنَّهُ غَائِبٌ فِي مَوْضِعٍ لَا يَصْلُحُ فِيهِ النَّقْدُ وَالْآخَرُ مَضْمُونٌ إلَى أَجَلٍ لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ بَأْسٌ، وَلَا يَصْلُحُ النَّقْدُ فِيهَا بِشَرْطٍ حَتَّى يَقْبِضَ السِّلْعَةَ الْغَائِبَةَ الَّتِي بِعَيْنِهَا إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ الْمُشْتَرِي بِالنَّقْدِ مِنْ عِنْدِهِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ كَانَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ لِي: لَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ مَنْ الرَّجُلِ السِّلْعَةَ الْغَائِبَةَ الَّتِي لَا يَجُوزُ فِي مِثْلِهَا النَّقْدُ أَوْ الثَّمَرُ الْغَائِبُ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ الَّذِي لَا يَجُوزُ فِي مِثْلِهِ النَّقْدُ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ، وَلَمْ يَقُلْ لِي مَالِكٌ بِذَهَبٍ وَلَا بِوَرِقٍ وَلَا بِعَرْضٍ، وَالذَّهَبُ وَالْوَرِقُ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّهُ قَوْلُهُ، وَالْعُرُوضُ وَالْحَيَوَانُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَهُوَ أَمْرٌ بَيِّنٌ.

قُلْتُ: وَالثَّمَرُ الْغَائِبُ كَيْفَ هُوَ عِنْدَك؟

قَالَ: قَالَ لِي مَالِكٌ: وَكَانَ الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ يَبِيعُ ثِمَارَ حَوَائِطِهِ وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ فَيَبِيعُ ثِمَارَهُ كَيْلًا الَّتِي بِالصَّفْرَاءِ وَبِخَيْبَرِ بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ كَيْلًا فَلَمْ يَرَ بِذَلِكَ بَأْسًا وَلَمْ يَرَهُ أَحَدٌ مِنْ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ.

قَالَ سَحْنُونٌ: وَهَذِهِ حُجَّةٌ فِي بَيْعِ الْبَرْنَامَجِ، وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: وَلَوْ كَانَتْ عَلَى مَسِيرَةَ خَمْسَةِ أَيَّامٍ أَوْ سِتَّةٍ هَذِهِ الْحَوَائِطُ جَازَ لِصَاحِبِهَا أَنْ يَبِيعَهَا.

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِذَا كَانَتْ الْحَوَائِطُ بَعِيدَةً مِنْهُ مِثْلَ إفْرِيقِيَّةَ مَنْ الْمَدِينَةِ فَهَذَا لَا يَصْلُحُ لِأَنَّهُ لَا يَبْلُغُ حَتَّى تُجَدَّ التَّمْرَةُ فَلَا خَيْرَ فِي هَذَا لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ هَذَا مِنْ بُيُوعِ النَّاسِ، وَهَذَا مِمَّا لَا نُدْرِكُهُ وَلَا نَعْرِفُهُ.

قَالَ: وَقَالَ لِي مَالِكٌ: لَوْ كَانَ هَذَا فِي الْحَيَوَانِ لَمْ أَرَ بِهِ بَأْسًا إذَا لَمْ يَنْقُدْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>