لَكَ ذَلِكَ وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ مَالِكٍ لِأَنَّهُ قَدْ أَقَرَّ لَهُ بِالْوَكَالَةِ عَلَى الِاشْتِرَاءِ فَلَمَّا اشْتَرَى الْوَكِيلُ مَا زَعَمَ أَنَّهُ وَكِيلٌ بِهِ عَلَيْهِ وَالذَّهَبُ مُسْتَهْلَكَةٌ كَانَ الْآمِرُ مُدَّعِيًا عَلَى الْمَأْمُورِ يُرِيدُ أَنْ يُضَمِّنَهُ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَأَنَّ السِّلْعَةَ الَّتِي اخْتَلَفَا فِيهَا قَائِمَةٌ فَلِذَلِكَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْآمِرِ وَإِذَا فَاتَتْ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْوَكِيلِ لِأَنَّ الْآمِرَ مُدَّعٍ يُرِيدُ أَنْ يُضَمِّنَهُ فَفَوْتُ السِّلْعَةِ مِثْلُ فَوْتِ الدَّنَانِيرِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا دَفَعَ إلَيْهِ رَجُلٌ مَالًا وَأَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ سِلْعَةً مِنْ السِّلَعِ فَاشْتَرَى لَهُ السِّلْعَةَ فَضَاعَ الْمَالُ بَعْدَ مَا اشْتَرَاهَا لَهُ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: فِي الرَّجُلِ يَأْمُرُ الرَّجُلَ يَشْتَرِي لَهُ السِّلْعَةَ وَلَمْ يَدْفَعْ شَيْئًا فَاشْتَرَاهَا الرَّجُلُ ثُمَّ دَفَعَ الْآمِرُ الْمَالَ إلَى الْمَأْمُورِ لِيَقْضِيَهُ فَضَاعَ الْمَالُ مِنْ الْمَأْمُورِ قَبْلَ أَنْ يَدْفَعَهُ قَالَ مَالِكٌ: عَلَى الْآمِرِ الْغُرْمُ ثَانِيَةً.
قُلْتُ: فَإِنْ ضَاعَ ثَانِيَةً؟
قَالَ: يَلْزَمُهُ ذَلِكَ، قَالَ: وَأَمَّا مَسْأَلَتُكَ فِي الَّذِي دَفَعَ الْمَالَ وَأَمَرَ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ بِذَلِكَ الْمَالِ بِعَيْنِهِ فَإِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الَّذِي يَدْفَعُ الْمَالَ إلَى الرَّجُلِ قِرَاضًا فَيَشْتَرِيَ بِهِ سِلْعَةً فَيَأْتِي إلَى الْمَالِ فَيَجِدُهُ قَدْ تَلَفَ فَلَا يَلْزَمُ صَاحِبُ الْمَالِ أَدَاؤُهُ وَيَكُونُ صَاحِبُ الْقِرَاضِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ دَفَعَ الْمَالَ ثَانِيَةً، وَيَكُونُ عَلَى قِرَاضِهِ، وَإِنْ شَاءَ تَبَرَّأَ مِنْهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَيَلْزَمُ الْعَامِلُ، فَكَذَلِكَ الَّذِي دَفَعَ الْمَالَ إلَى الْمَأْمُورِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ بِذَلِكَ الْمَالِ فَإِنَّهُ إنْ ضَاعَ بَعْدَ مَا اشْتَرَى كَانَ بِمَنْزِلَةِ مَا أَخْبَرْتُكَ فِي الْقِرَاضِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَمَسْأَلَتُكَ مِثْلُهُ سَوَاءٌ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنِّي أَمَرْتُ رَجُلًا يَشْتَرِي لِي جَارِيَةً بَرْبَرِيَّةً فَبَعَثَ إلَيَّ بِجَارِيَةٍ بَرْبَرِيَّةٍ فَوَطِئْتُهَا فَحَمَلَتْ مِنِّي أَوْ لَمْ تَحْمِلْ ثُمَّ قَدُمَ الْمَأْمُورُ بِجَارِيَةٍ بَرْبَرِيَّةٍ فَقَالَ: إنَّمَا كُنْتُ بَعَثْتُ إلَيْك بِتِلْكَ الْجَارِيَةِ وَدِيعَةً وَهَذِهِ جَارِيَتُكَ الَّتِي اشْتَرَيْت لَكَ، قَالَ: إنْ كَانَ لَمْ يُبَيِّنْ لَهُ ذَلِكَ فِي الْبَعْثَةِ حِينَ بَعَثَ إلَيْهِ بِالْجَارِيَةِ أَنَّهَا جَارِيَتُهُ وَلَمْ تَفُتْ حَلَفَ وَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَقَبَضَ جَارِيَتَهُ وَدَفَعَ إلَيْهِ الَّتِي زَعَمَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا لَهُ.
وَإِنْ كَانَتْ قَدْ فَاتَتْ بِحَمْلٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ كِتَابَةٍ أَوْ تَدْبِيرٍ لَمْ أَرَ لَهُ شَيْئًا وَلَمْ أَرَ لَهُ عَلَيْهَا سَبِيلًا لِأَنِّي لَا أَنْقُضُ عِتْقًا قَدْ وَجَبَ وَشُبْهَتُهُ قَائِمَةٌ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ فَتَكُونُ لَهُ جَارِيَتُهُ، وَيَلْزَمُ الْآمِرُ الْجَارِيَةَ الَّتِي أَتَى بِهَا الْمَأْمُورُ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: فِي رَجُلٍ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَبْتَاعَ لَهُ جَارِيَةً بِمِائَةِ دِينَارٍ فَقَدِمَ فَبَعَثَ إلَيْهِ بِجَارِيَةٍ ثُمَّ لَقِيَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ: إنَّ الْجَارِيَةَ كَانَتْ تُقَوَّمُ بِخَمْسِينَ وَمِائَةِ دِينَارٍ وَبِذَلِكَ اشْتَرَيْتهَا، قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَتْ لَمْ تَفُتْ خُيِّرَ الْآمِرُ فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَأْخُذَهَا بِمَا قَالَ أَخْذَهَا وَإِلَّا رَدَّهَا، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ حَمَلَتْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ غُرْمُ شَيْءٍ إلَّا الْمِائَةَ الَّتِي أَمَرَهُ بِهَا بَلَغَنِي ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ مِمَّنْ أَثِقُ بِهِ فَمَسْأَلَتُكَ مِثْلُهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute