للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَمَرَ رَجُلًا يَبْتَاعُ لَهُ سِلْعَةً مِنْ بَلَدٍ مَنْ الْبُلْدَانِ وَلَمْ يَدْفَعْ الثَّمَنَ إلَيْهِ وَقَالَ: أَسْلَفَنِي ثَمَنَهَا فَابْتَاعَهَا ثُمَّ قَدُمَ فَقَالَ الْآمِرُ: ادْفَعْ إلَيَّ السِّلْعَةَ وَقَالَ الْمَأْمُورُ: لَا أَدْفَعُ إلَيْك حَتَّى تَدْفَعَ إلَيَّ الثَّمَنَ فَأَبَى أَنَّ يَدْفَعَ إلَيْهِ السِّلْعَةَ كَانَ ذَلِكَ لِلْآمِرِ لِأَنَّ الثَّمَنَ كَانَ سَلَفًا وَالسِّلْعَةُ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ وَلَيْسَتْ بِرَهْنٍ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْتَهِنَ مَا لَمْ يَرْهَنْهُ وَذَلِكَ أَنَّ مَالِكًا سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ أَمَرَ رَجُلًا يَبْتَاعُ لَهُ لُؤْلُؤًا مَنْ مَكَّةَ وَيُنْقَدَ الثَّمَنَ مَنْ عِنْدِهِ حَتَّى يَقْدُمَ فَيَدْفَعَ إلَيْهِ الْآمِرُ ثَمَنَهُ فَقَدُمَ الْمَأْمُورُ فَزَعَمَ أَنَّهُ قَدْ ابْتَاعَ لَهُ الَّذِي أَمَرَهُ بِهِ وَأَنَّهُ ضَاعَ مِنْهُ بَعْدَ مَا اشْتَرَاهُ.

قَالَ مَالِكٌ: أَرَى أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ إنَّهُ قَدْ ابْتَاعَ لَهُ مَا أَمَرَهُ وَنَقَدَهُ عَنْهُ وَيَأْخُذَ مِنْهُ الثَّمَنَ لِأَنَّهُ قَدْ ائْتَمَنَهُ حِينَ قَالَ: ابْتَعْ لِي وَانْقُدْ عَنِّي فَلَوْ كَانَ رَهْنًا يَجُوزُ لَهُ حَبَسَهُ عَنْهُ لَحِقَهُ مَا قَالَ مَالِكٌ: إنَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِثَمَنِهِ حَتَّى يُقَاصَّهُ بِثَمَنِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى هَلَاكِهِ فَلَمَّا قَالَ مَالِكٌ: إنَّهُ يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ وَيَحْلِفُ، عَلِمْنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِرَهْنٍ وَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ مَالِكٍ أَنْ يَجْعَلَهُ رَهْنًا بَعْدَ مَا اشْتَرَاهُ وَوَجَبَ لِلْآمِرِ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْآمِرُ مِنْ ذِي قَبْلٍ أَوْ يَكُونَ الْآمِرُ قَالَ: لَهُ ابْتَعْهُ لِي وَانْقُدْ عَنِّي مِنْ عِنْدِكَ وَاحْبِسْهُ حَتَّى أَدْفَعَ إلَيْكَ الثَّمَنَ فَهَذَا رَهْنٌ عِنْدَهُ.

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنْ لَوْ اشْتَرَى لَهُ بِبَيِّنَةٍ وَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَغِيبُ عَلَيْهِ مِثْلُ الثِّيَابِ وَالْجَوْهَرِ وَاللُّؤْلُؤِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ هَلَكَ فِي يَدَيْهِ لَمْ تُسْأَلْ الْبَيِّنَةُ وَلَمْ يُقَاصَّ بِشَيْءٍ مِنْهَا فِيمَا دَفَعَ عَنْ الْآمِرِ فِي ثَمَنِهَا وَحَلَفَ إنْ اُتُّهِمَ وَاسْتَوْفَى ثَمَنِهَا فَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِرَهْنٍ وَيَدُلُّكَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهَا إذَا اشْتَرَاهَا لِغَيْرِهِ وَوَجَبَ الثَّمَنُ الَّذِي دُفِعَ فِيهَا قَرْضًا مِنْهُ لَهُ وَإِنَّمَا هِيَ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ مِنْ الْوَدَائِعِ مُصَدَّقٌ فِيهَا.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَبِيعُ السِّلْعَةَ مِنْ الرَّجُلِ فَيَدَّعِي الْبَائِعُ أَنَّهُ بَاعَهُ عَلَى أَنَّ الْخِيَارَ لِلْبَائِعِ ثَلَاثًا وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي فَقَالَ: اشْتَرَيْتهَا وَمَا شَرَطْت عَلَيَّ الْخِيَارَ؟ قَالَ: لَا يُصَدَّقُ الْبَائِعُ وَالْبَيْعُ لَهُ لَازِمٌ، قَالَ: وَسَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يَبِيعُ مِنْ الرَّجُلِ السِّلْعَةَ فَيَأْتِيَهُ مِنْ الْغَدِ بِالثَّمَنِ وَقَدْ احْتَبَسَ صَاحِبُ السِّلْعَةِ السِّلْعَةَ فَيَقُولُ الْبَائِعُ: إنَّمَا بِعْتُكَ أَمْسِ عَلَى أَنْ جِئْتَنِي بِالثَّمَنِ الْيَوْمَ وَإِلَّا فَلَا بَيْعَ بَيْنِي وَبَيْنَك، وَقَالَ الْآخَرُ: لَا لَمْ اشْتَرَطَ لَكَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: الْبَيْعُ لَهُ لَازِمٌ وَهُوَ مُدَّعٍ فَمَسْأَلَتُكَ مِثْلُ هَذَا.

قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: وَلَوْ ثَبَتَ لَهُ هَذَا مَا رَأَيْتُ ذَلِكَ يَنْفَعُهُ وَرَأَيْتُ الْبَيْعَ لَهُ لَازِمًا وَلَمْ يَرَهُ مِثْلُ الْخِيَارِ فِي هَذَا الْوَجْهِ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنِّي اشْتَرَيْت مَنْ رَجُلٍ طَعَامًا فَأَصَبْتُ بِالطَّعَامِ عَيْبًا فَجِئْتُ لِأَرُدَّهُ فَقَالَ: الْبَائِعُ بِعْتُكَ حِمْلًا مِنْ طَعَامٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَقَالَ: الْمُشْتَرِي بَلْ اشْتَرَيْت مِنْكَ نِصْفَ حِمْلٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ؟ قَالَ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي إذَا كَانَ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ نِصْفَ الْحِمْلِ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>