قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ قَتِيلًا قُتِلَ عَمْدًا وَلَهُ وَلِيَّانِ فَعَفَا أَحَدُهُمَا عَلَى مَالٍ أَخَذَهُ عَرَضٍ أَوْ قَرْضٍ فَأَرَادَ الْوَلِيُّ الَّذِي لَمْ يُصَالِحْ أَنْ يَدْخُلَ مَعَ الَّذِي صَالَحَ فِيمَا أَخَذَ أَيَكُونُ لَهُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟ قَالَ لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا وَأَرَى لَهُ أَنْ يَدْخُلَ فِيمَا أَخَذَ إخْوَتُهُ مِنْ الْقَاتِلِ وَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَى الْقَتْلِ، وَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّهُ إذَا صَالَحَ فِي دَمِ أَبِيهِ عَنْ حَقِّهِ بِأَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ أَنَّ الَّذِينَ نَفَوْا إنَّمَا لَهُمْ حِسَابُ دِيَةٍ وَاحِدَةٍ، وَمِثْلُهُ لَوْ صَالَحَهُمْ فِي دَمِ أَبِيهِ فِي حَقِّهِ عَلَى نَخْلٍ فَأَخَذَهَا أَوْ جَارِيَةٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ كَانَ الصُّلْحُ قَدْ وَقَعَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ فِي حَقِّهِ - قَلَّ أَوْ كَثُرَ - وَلَمْ يَكُنْ لِمَنْ بَقِيَ إلَّا عَلَى حِسَابِ الدِّيَةِ وَلِأَنَّهُ لَوْ عَفَا جَازَ عَفْوُهُ عَلَيْهِمْ فَلَمْ يُجْعَلْ لِمَنْ بَقِيَ شَرِيكًا فِيمَا أَخَذَ الْمُصَالِحُ.
قُلْتُ: لِمَ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ؟
قَالَ: لِأَنَّ الدَّمَ لَيْسَ هُوَ مَالًا وَإِنَّمَا شَرِكَتُهُمَا فِيهِ كَشَرِكَتِهِمَا فِي عَبْدٍ هُوَ بَيْنَهُمَا جَمِيعًا فَإِنْ بَاعَ أَحَدُهُمَا مُصَابَتَهُ بِمَا شَاءَ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ، قَالَ سَحْنُونٌ، وَقَالَ أَشْهَبُ: إنْ عَفَا أَحَدُ الِاثْنَيْنِ وَلَهُمَا أُخْتٌ عَلَى الدِّيَةِ فَقَالَ: إنْ كَانَ عَفَا عَنْ الدَّمِ صُلْحًا صَالَحَ بِهِ عَنْ الدَّمِ فَهُوَ بَيْنَهُمْ جَمِيعًا أَخْمَاسًا لِلِابْنَةِ مِنْ ذَلِكَ الْخُمْسُ وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا شَطْرَيْنِ وَكَذَلِكَ لَوْ صَالَحَهُ عَنْ الدَّمِ كُلِّهِ بِأَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ وَإِنْ كَانَ دِيَاتٌ، فَإِنَّ جَمِيعَ مَا صَالَحَ عَلَيْهِ بَيْنَهُمْ عَلَى مَا فَسَّرْتُ لَكَ أَخْمَاسًا وَإِنْ كَانَ إنَّمَا الْمُصَالَحُ عَلَيْهِ مِنْ دِيَةٍ أَوْ دِيَتَيْنِ أَوْ دِيَاتٌ لَيْسَ عَلَى الدَّمِ كُلِّهِ، وَلَكِنْ عَلَى مُصَابَتِهِ مِنْهُ فَإِنَّ لِلْأُخْتِ وَلِلْأَخِ اللَّذَيْنِ لَمْ يُصَالِحَا ثَلَاثَةَ أَخْمَاسِ الدِّيَةِ عَلَى الْقَاتِلِ فِي مَالِهِ يُضَمُّ إلَيْهِ مَا صَالَحَ عَلَيْهِ الَّذِي عَفَا عَمَّا صَالَحَ عَلَيْهِ مِنْ الدِّيَةِ أَوْ أَكْثَرُ مِنْهَا ثُمَّ يَقْتَسِمُونَ جَمِيعًا وَذَلِكَ أَخْمَاسًا عَلَى مَا فَسَّرْتُ لَكَ.
وَكَذَلِكَ إنْ صَالَحَ عَنْ نَفْسِهِ عَنْ ثُلُثَيْ الدِّيَةِ أَوْ أَكْثَرَ فَإِنَّ ذَلِكَ يُضَمُّ إلَى ثَلَاثَةِ أَخْمَاسِ الدِّيَةِ ثُمَّ يُؤْخَذُ بِذَلِكَ كُلِّهِ الْقَاتِلُ ثُمَّ يُقَسَّمُ عَلَى مَا فَسَّرْتُ لَكَ، وَإِنْ صَالَحَ عَلَى أَقَلَّ مَنْ خُمْسَيْ الدِّيَةِ لِنَفْسِهِ خَاصَّةً - وَإِنْ دِرْهَمًا وَاحِدًا - فَلَيْسَ لَهُ إلَّا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ وَيَرْجِعُ الْأَخُ وَالْأُخْتُ اللَّذَيْنِ لَمْ يُصَالِحَا عَلَى الْقَاتِلِ فِي مَالِهِ بِثَلَاثَةِ أَخْمَاسِ الدِّيَةِ يَقْتَسِمَانِ ذَلِكَ لِلْأَخِ الْخُمُسَانِ وَلِلْأُخْتِ الْخُمُسُ، وَإِنْ صَالَحَ مِنْ الدَّمِ كُلِّهِ بِأَقَلَّ مِنْ الدِّيَةِ فَلَيْسَ لَهُ مِمَّا صَالَحَ عَلَيْهِ إلَّا خُمْسَاهُ، وَثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ مَا صَالَحَ عَلَيْهِ سَاقِطٌ عَنْ الْقَاتِلِ وَلِلْأَخِ وَالْأُخْتِ اللَّذَيْنِ لَمْ يُصَالِحَا ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ الدِّيَةِ كَامِلَةً فِي مَالِ الْقَاتِلِ، وَكَذَلِكَ لَوْ صَالَحَ مِنْ الدَّمِ كُلِّهِ عَلَى دِرْهَمٍ وَاحِدٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا خُمْسَا الدِّرْهَمِ وَكَانَ لِلْأَخِ وَالْأُخْتِ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ الدِّيَةِ يَقْتَسِمَانِ ذَلِكَ عَلَى الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ وَقَدْ أَعْلَمْتُكَ أَنَّهُ إذَا صَالَحَ مِنْ حَقِّهِ مِنْ الدِّيَةِ لِنَفْسِهِ خَاصَّةً إذَا جَاوَزَ خُمْسَ الدِّيَةِ فَأَكْثَرَ أَنَّ ذَلِكَ يُضَمُّ إلَى ثَلَاثَةِ أَخْمَاسِ الدِّيَةِ فَيُؤْخَذُ بِذَلِكَ كُلِّهِ الْقَاتِلُ ثُمَّ يَقْتَسِمُونَهُ بَيْنَهُمْ أَخْمَاسًا عَلَى مَا فَسَّرْتُ لَكَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute