فَأَمَّا إذَا كَثُرَ ذَلِكَ فَلَا يَصْلُحُ فِيهِ إلَّا إجَارَةٌ، وَكَذَلِكَ قَالَ لِي مَالِكٌ فَهَذَا الَّذِي قَالَ لِي فِي مَسْأَلَتِكَ: أَبِيعُك نِصْفَ هَذِهِ الثِّيَابِ أَوْ نِصْفَ هَذِهِ الدَّابَّةِ عَلَى أَنْ تَبِيعَ لِي النِّصْفَ الْبَاقِيَ، وَلَمْ يَضْرِبْ لِذَلِكَ أَجَلًا، فَإِنْ كَانَ الثَّوْبُ أَوْ الثَّوْبَيْنِ، فَهَذَا مِمَّا يَجُوزُ فِيهِ الْجُعْلُ، فَإِذَا وَقَعَ مَعَ هَذَا الْجُعْلِ بَيْعٌ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ لَمْ يَصْلُحْ عِنْدَ مَالِكٍ وَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ كَثِيرًا وَالثِّيَابُ كَثِيرَةً أَوْ الدَّوَابُّ كَثِيرَةً لَمْ يَصْلُحْ فِيهَا الْجُعْلُ عِنْدَ مَالِكٍ وَصَلَحَتْ فِيهَا الْإِجَارَةُ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ كَثِيرًا فَقَدْ اجْتَمَعَ فِي هَذِهِ الصَّفْقَةِ فِي مَسْأَلَتِكَ بَيْعٌ وَإِجَارَةٌ، فَإِنْ لَمْ يَضْرِبْ لِلْإِجَارَةِ أَجَلًا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا تَكُونُ الْإِجَارَةُ جَائِزَةً إلَّا أَنْ يَضْرِبَ لِذَلِكَ أَجَلًا، فَإِنْ لَمْ يَضْرِبْ لِلْإِجَارَةِ أَجَلًا كَانَتْ الْإِجَارَةُ فَاسِدَةً فَإِذَا فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ فِي الصَّفْقَةِ، وَمَعَهَا بَيْعٌ فَسَدَ الْبَيْعُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ وَالْبَيْعَ إذَا اجْتَمَعَتَا فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ فَكَانَ أَحَدُهُمَا فَاسِدًا - الْإِجَارَةُ أَوْ الْبَيْعُ - فَسَدَا جَمِيعًا.
وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا بَاعَهُ نِصْفَ ثَوْبِهِ عَلَى أَنْ يَبِيعَ لَهُ النِّصْفَ الْبَاقِيَ أَنَّ ذَلِكَ إجَارَةٌ لَيْسَ بِجُعْلٍ لِأَنَّ الْجُعْلَ إنَّمَا هُوَ إنْ شَاءَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَرُدَّ الثَّوْبَ عَلَى صَاحِبِهِ رَدَّهُ فَذَلِكَ لَهُ، وَهَذَا الَّذِي اشْتَرَى نِصْفَ ثَوْبٍ بِكَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا عَلَى أَنْ يَبِيعَ لَهُ النِّصْفَ الْآخَرَ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَرُدَّ الثَّوْبَ وَلَا يَبِيعُ النِّصْفَ إذَا أَرَادَ، فَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّ هَذِهِ إجَارَةٌ، فَإِنْ كَانَ إجَارَةً لَمْ تَصْلُحْ إلَّا أَنْ يَضْرِبَ لِذَلِكَ أَجَلًا، فَإِنْ لَمْ يَضْرِبْ لِذَلِكَ أَجَلًا فَسَدَ الْبَيْعُ وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ. قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ يَسْتَأْجِرُ الرَّجُلَ يَبِيعُ لَهُ الْأَعْكَامَ مَنْ الْبَزِّ أَوْ الطَّعَامِ الْكَثِيرِ أَوْ الدَّوَابِّ الْكَثِيرَةِ أَوْ السِّلَعِ الْكَثِيرَةِ وَلَا يَضْرِبُ لِذَلِكَ أَجَلًا، قَالَ مَالِكٌ: لَا خَيْرَ فِي ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَضْرِبَ لِذَلِكَ أَجَلًا فَإِذَا ضَرَبَ لِذَلِكَ أَجَلًا فَهُوَ جَائِزٌ بِمَنْزِلَةِ الْأَجِيرِ فَإِنْ بَاعَ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ، فَلَهُ أَجْرُهُ وَإِنْ بَاعَ قَبْلَ الْأَجَلِ أُعْطِيَ مِنْ الْأَجْرِ بِحِسَابِ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ بَاعَ فِي نِصْفِ الْأَجَلِ فَلَهُ نِصْفُ الْأَجْرِ، وَإِنْ كَانَ بَاعَهُ فِي ثُلُثَيْ الْأَجَلِ فَلَهُ ثُلُثَا الْإِجَارَةِ.
قَالَ سَحْنُونٌ: وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ فِي هَذَا الْأَصْلِ أَنَّهُ إذَا بَاعَهُ نِصْفَ ثَوْبٍ عَلَى أَنْ يَبِيعَهُ النِّصْفَ الْآخَرِ إنَّهُ لَا خَيْرَ فِيهِ.
قِيلَ لِمَالِكٍ: فَإِنْ ضَرَبَ لِلْبَيْعِ أَجَلًا؟
قَالَ: فَذَلِكَ أَجْرُهُ لَهُ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: أَبِيعُ لَكَ هَذِهِ السِّلَعَ، وَهِيَ كَثِيرَةٌ إلَى أَجَلِ كَذَا وَكَذَا بِكَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا عَلَى أَنِّي مَتَى مَا شِئْت تَرَكَتْ ذَلِكَ أَيَجُوزُ ذَلِكَ وَتَجْعَلُهَا إجَارَةً لَهُ فِيهَا الْخِيَارُ؟ قَالَ: إذَا لَمْ يَنْقُدْهُ إجَارَتَهُ، فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ وَإِنْ نَقَدَهُ فَلَا خَيْرَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ لَا يَصْلُحُ فِيهِ النَّقْدُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ، وَهَذَا الَّذِي سَأَلْتَ عَنْهُ كَثِيرًا لَا يَصْلُحُ فِيهِ الْجُعْلُ فَلَمْ تَقَعْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute