مَالِكًا قَالَ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا آجَرَ دَابَّتَهُ مِنْ رَجُلِ فَرَكِبَهَا إلَى سَفَرٍ مَنْ الْأَسْفَارِ، فَأَرَادَ أَنْ يُكْرِيَهَا مَنْ غَيْرِهِ. قَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ؟
قَالَ: فَقُلْتُ لِمَالِكٍ: إنَّهُ يَكْرِيَهَا مِمَّنْ يُشْبِهُهُ فِي خِفَّتِهِ وَثِقَلِهِ وَأَمَانَتِهِ. قَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ يُكْرِي الرَّجُلَ الدَّابَّةَ لِمَا يَعْرِفُ مِنْ نَاحِيَةِ رِفْقِهِ وَحُسْنِ قِيَامِهِ وَقَدْ تَجِدُ الرَّجُلَ لَعَلَّهُ مِثْلُهُ فِي الْأَمَانَةِ، وَالْحَالُ لَا يَكُونُ لَهُ مِنْ الرِّفْقِ مِثْلُ مَا لِصَاحِبِهِ. قَالَ: فَلَمْ أَرَهُ يَجْعَلُهُ مِثْلَ كِرَاءِ الْحُمُولَةِ وَلَا الدَّارِ وَلَا كِرَاءِ السَّفِينَةِ. قَالَ: فِي هَذَا كُلِّهِ يُكْرِيَهُ فِي حُمُولَةٍ مِثْلَ حُمُولَتِهِ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي اكْتَرَى إلَيْهِ وَالدَّارُ لَهُ أَنْ يُكْرِيَهَا مِمَّنْ يَثِقُ بِهِ فَيَسْكُنُ، وَالْمُرْضِعُ عِنْدِي مِثْلَ مَنْ اكْتَرَى لِيَرْكَبَ هُوَ نَفْسُهُ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ هَذَا الَّذِي اكْتَرَى هَذِهِ الدَّابَّةَ لَيَرْكَبَهَا هُوَ نَفْسُهُ وَخَرَجَ صَاحِبُ الدَّابَّةِ مَعَ دَابَّتِهِ فَأَرَادَ الْمُكْتَرِي أَنْ يَحْمِلَ عَلَى الدَّابَّةِ مَنْ هُوَ أَصْغَرُ مِنْهُ وَأَخَفُّ؟
قَالَ: إنَّمَا سَمِعْتُ مِنْ مَالِكٍ مَا أَخْبَرْتُكَ بِهِ أَنَّهُ لَا يُجِيزُهُ.
قَالَ: وَقَالَ لِي مَالِكٌ: قَدْ كَانَ هَهُنَا رَجُلٌ بِالْمَدِينَةِ يُكْرِيَنِي رَاحِلَتَهُ زَمَانًا لَا يَعْدُونِي إلَى غَيْرِي فِيهَا، فَلَيْسَ النَّاسُ كَالْحُمُولَةِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَهُوَ رَأْيِي، فَإِنْ أَكْرَاهَا لَمْ أَفْسَخْهُ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ امْرَأَةً آجَرَتْ نَفْسُهَا تُرْضِعُ صَبِيًّا لِقَوْمٍ، وَلَيْسَ مِثْلُهَا يُرْضِعُ لِشَرَفِهَا وَغِنَاهَا أَيَكُونُ لَهَا أَنْ تَفْسَخَ الْإِجَارَةَ فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟ قَالَ: لَيْسَ لَهَا أَنْ تَفْسَخَ هَذِهِ الْإِجَارَةَ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ قَدْ لَزِمَتْهَا.
قُلْتُ: لِمَ لَا يَكُونُ لَهَا أَنْ تَفْسَخَ هَذِهِ الْإِجَارَةَ وَهِيَ مِمَّنْ لَا تُرْضِعُ وَلَدَهَا إلَّا أَنْ تَشَاءَ، وَكَيْفَ لَا يَكُونُ لَهَا أَنْ تَفْسَخَ هَذِهِ الْإِجَارَةَ وَهِيَ مِمَّنْ لَا تُرْضِعُ وَهِيَ تَقُولُ: إنِّي أَسْتَحِي وَلَيْسَ مِثْلِي يُرْضِعُ وَإِنْ كُنْتُ آجَرْتُ نَفْسِي؟
قَالَ: إذَا آجَرَتْ نَفْسَهَا فَذَلِكَ لَهَا لَازِمٌ وَلَا يُنْظَرُ إلَى شَرَفِهَا فِي الْإِجَارَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا إذَا كَانَتْ ذَاتَ شَرَفٍ قِيلَ لَهَا: لَيْسَ مِثْلُكِ يُرْضِعُ إلَّا أَنْ تَشَائِي، فَإِنْ شِئْتِ ذَلِكَ لَمْ تُمْنَعِي فَهِيَ إذَا شَاءَتْ أَنْ تُرْضِعَ وَلَدَهَا كَانَ ذَلِكَ لَهَا، فَكَذَلِكَ إذَا آجَرَتْ نَفْسَهَا، فَقَدْ شَاءَتْ الْإِجَارَةَ فَلَا تُفْسَخُ هَذِهِ الْإِجَارَةُ وَالْإِجَارَةُ لَهَا لَازِمَةٌ.
قُلْتُ: أَتَحْفَظُهُ عَنْ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا وَهُوَ رَأْيِي.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ مَرِضَتْ هَذِهِ الظِّئْرُ أَيَكُونُ لَهَا أَنْ تَفْسَخَ الْإِجَارَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ إنْ كَانَ مَرَضًا لَا تَسْتَطِيعُ مَعَهُ الرَّضَاعَ، فَإِنْ صَحَّتْ فِي بَقِيَّةٍ مِنْ وَقْتِ الْإِجَارَةِ خُيِّرَتْ عَلَى أَنْ تُرْضِعَ مَا بَقِيَ وَكَانَ لَهَا مِنْ الْأَجْرِ بِقَدْرِ مَا أَرْضَعَتْ وَيُحَطُّ مِنْ إجَارَتِهَا بِقَدْرِ مَا لَمْ تُرْضِعْ.