للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْإِمَامُ لِلْمُدَّعِي: احْلِفْ وَاسْتَحِقَّ. وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَمْ يَطْلُبْ يَمِينَ الْمُدَّعِي؟ قَالَ مَالِكٌ: فَأَرَى لِلْإِمَامِ أَنْ لَا يَقْضِيَ بِالْحَقِّ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَتَّى يَقُولَ لِلْمُدَّعِي: احْلِفْ أَنَّ الْحَقَّ حَقُّك، فَإِنْ حَلَفَ وَإِلَّا لَمْ يَقْضِ لَهُ بِشَيْءٍ.

قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّاسَ لَيْسَ كُلُّهُمْ يَعْرِفُ أَنَّ الْيَمِينَ تَرُدُّهُ عَلَى الْمُدَّعِي، فَلَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْضِيَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ حَتَّى يَسْتَحْلِفَ الْمُدَّعِيَ، فَكَذَلِكَ مَسْأَلَتُك فِي التَّجْرِيحِ إنْ كَانَ مِمَّنْ يَجْهَلُ ذَلِكَ، رَأَيْتَ أَنْ يُعْلِمَهُ الْإِمَامُ الَّذِي لَهُ فِي ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ عَلَيْهِ.

قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا أَرَادَ الْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ عَلَى رَجُلٍ يَقْضِيه، فَوَجْهُ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الْقَاضِي لِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ: أَبَقِيَتْ لَك حُجَّةً؟ فَإِنْ قَالَ: لَا، قَضَى عَلَيْهِ. فَإِنْ جَاءَ بَعْدَمَا قَضَى عَلَيْهِ يَطْلُبُ بَعْضَ ذَلِكَ، لَمْ يَقْبَلْ الْقَاضِي ذَلِكَ مِنْهُ، إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِأَمْرٍ يَسْتَدِلُّ بِهِ عَلَى مَا قَالَ، مِثْلَ أَنْ يَكُونَ لَمْ يَعْلَمْ بِبَيِّنَتِهِ هِيَ لَهُ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَإِلَّا لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ عَلَى الشُّهُودِ بَعْدَمَا زُكُّوا، أَنَّهُمْ شَرَبَةُ الْخُمُورِ أَوْ أَكَلَةُ الرِّبَا أَوْ مُجَّانٌ أَوْ نَحْوُ هَذَا، أَوْ أَنَّهُمْ يَلْعَبُونَ بِالشِّطْرَنْجِ أَوْ بِالنَّرْدِ أَوْ بِالْحَمَامِ، أَيَكُونُ هَذَا مِمَّا تُجَرَّحُ بِهِ شَهَادَتُهُمْ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟

قَالَ: نَعَمْ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ: أَنَا أُقِيمُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُمَا قَدْ حُدَّا فِي الْقَذْفِ؟

قَالَ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ الَّذِي يُعْرَفُ بِالصَّلَاحِ وَالْحَالَةِ الْحَسَنَةِ قَبْلَ الْقَذْفِ، فَكَيْفَ تُعْرَفُ تَوْبَتُهُ حَتَّى تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ؟ قَالَ: إذَا ازْدَادَ خَيْرًا عَلَى حَالَتِهِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا، وَالنَّاسُ يَزِيدُونَ فِي الْخَيْرِ. وَقَدْ كَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عِنْدَنَا بِالْمَدِينَةِ رَجُلًا صَالِحًا، ثُمَّ وَلِيَ الْخِلَافَةَ فَزَادَ عَلَى حَالَتِهِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا وَزَهِدَ فِي الدُّنْيَا. فَبِهَذَا يُعْتَبَرُ إنْ كَانَ دَاعِرًا حِينَ ضُرِبَ الْحَدَّ فِي الْقَذْفِ فَعُرِفَتْ تَوْبَتُهُ فَهَذَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، فَأَرَى إنْ أَقَامَ عَلَى الشُّهُودِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُمْ جُلِدُوا فِي الْقَذْفِ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَنْظُرُ إلَى حَالَتِهِمْ الْيَوْمَ وَإِلَى حَالَتِهِمْ قَبْلَ الْيَوْمِ، فَإِنْ عَرَفَ مِنْهُمْ تَزَايُدًا فِي الْخَيْرِ أَوْ التَّوْبَةِ عَنْ حَالَةٍ كَانَتْ لَا تُرْضَى قَبْلَ شَهَادَتِهِمْ.

قُلْتُ: فَهَلْ يُحَدُّ النَّصْرَانِيُّ فِي الْقَذْفِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟

قَالَ: نَعَمْ إذَا قَذَفَ مُسْلِمًا حُدَّ.

قُلْتُ: وَالْعَبْدُ قَالَ: نَعَمْ.

قُلْتُ: وَكَمْ حَدُّهُمَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْفِرْيَةِ؟

قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: النَّصْرَانِيُّ حَدُّهُ ثَمَانُونَ فِي الْفِرْيَةِ، وَالْعَبْدُ حَدُّهُ أَرْبَعُونَ فِي الْفِرْيَةِ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ أَسْلَمَ هَذَا النَّصْرَانِيُّ، أَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَقَدْ كَانَ حُدَّ فِي الْفِرْيَةِ ثُمَّ أَسْلَمَ بِحَضْرَةِ مَا حُدَّ وَشَهِدَ؟

قَالَ: نَعَمْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ.

قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟

قَالَ: هَذَا رَأْيِي. قَالَ: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: ٣٨] سُورَةُ الْأَنْفَالِ

قُلْتُ: فَهَلْ تَجُوزُ شَهَادَةُ الْعَبِيدِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ الْحُدُودِ وَالْجِرَاحَاتِ أَوْ شَيْءٍ مِنْ الْحُقُوقِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ؟

قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْعَبْدِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ سَرَقَ مَتَاعَ فُلَانٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>