للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ أَخَذَهُ الْإِمَامُ وَقَدْ قَتَلَ وَأَخَذَ الْأَمْوَالَ وَأَخَافُ السَّبِيلَ، كَيْفَ يَحْكُمُ فِيهِ؟ قَالَ: يَقْتُلُهُ وَلَا يَقْطَعُ يَدَهُ وَلَا رِجْلَهُ عِنْدَ مَالِكٍ.

قُلْتُ: وَيَصْلُبُهُ؟

قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا صَلَبَ إلَّا عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ، فَإِنَّهُ كَانَ صَلَبَ الَّذِي كَانَ يُقَالُ لَهُ الْحَارِثُ الَّذِي كَانَ تَنَبَّأَ صَلَبَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ.

قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ إلَى الْإِمَامِ يَجْتَهِدُ فِي ذَلِكَ عَلَى أَشْنَعِ ذَلِكَ. قُلْت: وَكَيْفَ يَصْلُبُهُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ، أَحَيًّا أَمْ مَيِّتًا؟

قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ إلَّا مَا أَخْبَرْتُك مِمَّا ذُكِرَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، فَإِنَّهُ صَلَبَ الْحَارِثَ وَهُوَ حَيٌّ وَطَعَنَهُ بِالْحَرْبَةِ بِيَدِهِ. قَالَ: وَأَنَا أَرَى أَنْ يُصْلَبَ حَيًّا وَيُطْعَنَ بَعْدَ ذَلِكَ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الَّذِي أَخَذَهُ الْإِمَامُ وَلَمْ يَقْتُلْ وَلَمْ يُفْسِدْ وَلَمْ يَخَفْ السَّبِيلَ إلَّا أَنَّهُ قَدْ حَارَبَ، خَرَجَ بِخَشَبَةٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا، أَيَكُونُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ هَذَا؟ قَالَ: لَا يَكُونُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ هَذَا عِنْدَ مَالِكٍ. وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْمُحَارِبِينَ. قُلْت: فَكَمْ يَضْرِبُهُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟

قَالَ: يَجْتَهِدُ الْإِمَامُ بِرَأْيِهِ فِي ضَرْبِهِ وَنَفْيِهِ.

قُلْت: أَرَأَيْت الْمُحَارِبِينَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَأَهْلِ الْإِسْلَامِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَهُمْ سَوَاءٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَالنَّصَارَى وَالْعَبِيدُ وَالْمُسْلِمُونَ فِي ذَلِكَ الْحُكْمُ فِيهِمْ وَاحِدٌ عِنْدَ مَالِكٍ إلَّا أَنَّهُ لَا نَفْيَ عَلَى الْعَبِيدِ.

قُلْت: أَرَأَيْت إنْ أَخَذَ وَأَخَافَ السَّبِيلَ وَأَخَذَ الْمَالَ؟

قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا خَرَجَ وَلَمْ يَخَفْ السَّبِيلَ وَلَمْ يَأْخُذْ الْمَالَ وَلَمْ يَقْتُلْ، وَأَخَذَ بِحَضْرَةِ مَا خَرَجَ أَوْ خَرَجَ بِخَشَبَةٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَلَمْ يَنْصِبْ وَيَعْلُوَ أَمْرُهُ، فَإِنَّ الْإِمَامَ يَجْلِدُ هَذَا وَيَنْفِيه.

قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ هُوَ خَرَجَ وَأَخَافُ السَّبِيلَ وَعَلَا أَمْرُهُ وَلَمْ يَأْخُذْ الْمَالَ، فَإِنَّ الْإِمَامَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ قَتَلَهُ وَإِنْ شَاءَ قَطَعَ يَدَهُ وَرِجْلَهُ.

قُلْت: فَهَلْ يَجْتَمِعُ مَعَ الْقَتْلِ أَوْ الْقَطْعِ الضَّرْبُ؟ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا وَلَا أَرَى ذَلِكَ.

قُلْت: أَرَأَيْت إنْ هُوَ قَتَلَ وَأَخَذَ الْمَالَ وَأَخَافُ، أَيَكُونُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْطَعَ يَدَهُ وَرِجْلَهُ وَلَا يَقْتُلُهُ؟ قَالَ: لَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَى الْإِمَامِ إذَا قَتَلَ وَأَخَذَ الْمَالَ.

قَالَ مَالِكٌ: فَأَرَى أَنْ يُقْتَلَ إنْ رَأَى ذَلِكَ الْإِمَامُ إذَا أَخَذَ الْمَالَ وَلَمْ يَقْتُلْ أَنْ يَقْتُلَهُ قَتَلَهُ، لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: ٣٢] سُورَةُ الْمَائِدَةِ فَأَخْذُ الْمَالِ مِنْ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ، وَإِنَّمَا يَجْتَهِدُ الْإِمَامُ فِي الَّذِي يُخِيفُ وَلَا يَقْتُلُ وَلَا يَأْخُذُ مَالًا وَيُؤْخَذُ بِحَضْرَةِ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَطُولَ زَمَانُهُ.

قَالَ مَالِكٌ: وَاَلَّذِي تُقْطَعُ يَدُهُ وَرِجْلُهُ، وَلَا أَرَى أَنْ يُضْرَبَ إذَا قُطِعَتْ يَدُهُ وَرِجْلُهُ.

قُلْت: فَإِنْ قَتَلَ وَأَخَذَ الْمَالَ، أَيَقْطَعُ يَدَهُ وَرِجْلَهُ وَيَقْتُلُهُ، أَوْ يَقْتُلُهُ وَلَا يَقْطَعُ يَدَهُ وَرِجْلَهُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ قَالَ: الْقَتْلُ يَأْتِي عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ. قَالَ: وَإِنَّمَا يُخَيَّرُ الْإِمَامُ عِنْدَ مَالِكٍ إذَا خَافَ وَلَمْ يَأْخُذْ مَالًا وَلَمْ يَقْتُلْ فَأَخَذَ بِحَضْرَةِ ذَلِكَ، فَإِنَّمَا مَنْ طَالَ زَمَانُهُ وَنَصَبَ نَصْبًا شَدِيدًا، فَهَذَا لَا يَكُونُ الْإِمَامُ فِيهِ مُخَيَّرًا وَيَقْتُلُهُ الْإِمَامُ.

قَالَ: وَأَمَّا الَّذِي أُخِذَ بِحَضْرَةِ الْخُرُوجِ، فَإِنَّ مَالِكًا قَالَ فِي هَذَا: لَوْ أَنَّ الْإِمَامَ أَخَذَ بِأَيْسَرِهِ لَمْ أَرَ بِذَلِكَ بَأْسًا، وَقَدْ فَسَّرْت لَك ذَلِكَ فَهَذَا أَصْلُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>