أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ بَعَثَ جَيْشًا إلَى الشَّامِ فَخَرَجَ يَمْشِي مَعَ يَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَكَانَ عَلَى رَبْعٍ مِنْ الْأَرْبَاعِ، فَقَالَ يَزِيدُ لِأَبِي بَكْرٍ: إمَّا أَنْ تَرْكَبَ وَإِمَّا أَنْ أَنْزِلَ؟ فَقَالَ لَهُ: مَا أَنْتَ بِنَازِلٍ وَمَا أَنَا بِرَاكِبٍ احْتَسِبْ خُطَايَ هَذِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَالَ: إنَّك سَتَجِدُ قَوْمًا قَدْ فَحَصُوا عَنْ أَوَاسِطِ رُءُوسِهِمْ مِنْ الشَّعْرِ فَاضْرِبْ مَا فَحَصُوا عَنْهُ بِالسَّيْفِ، وَسَتَجِدُ قَوْمًا زَعَمُوا أَنَّهُمْ حَبَسُوا أَنْفُسَهُمْ لِلَّهِ تَعَالَى فَدَعْهُمْ وَمَا زَعَمُوا أَنَّهُمْ حَبَسُوا أَنْفُسَهُمْ لَهُ، وَإِنِّي مُوصِيكَ بِعَشْرٍ: لَا تَقْتُلْنَ امْرَأَةً، وَلَا صَبِيًّا، وَلَا كَبِيرًا هَرِمًا، وَلَا تَقْطَعْنَ شَجَرًا مُثْمِرًا، وَلَا تُخَرِّبْنَ عَامِرًا، وَلَا تَعْقِرْنَ شَاةً، وَلَا بَعِيرًا إلَّا لِمَأْكَلِهِ، وَلَا تُحْرِقَنَّ نَخْلًا وَلَا تُغْرِقَنَّهُ، وَلَا تَغْلُلْ وَلَا تَجْبُنْ، وَذُكِرَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ: لَا تَقْتُلُوا هَرِمًا وَلَا امْرَأَةً وَلَا وَلِيدًا وَتَوَقُّوا قَتْلَهُمْ إذَا الْتَقَى الزَّحْفَانِ، وَعِنْدَ حُمَّةِ النَّهَضَاتِ، وَفِي شَنِّ الْغَارَاتِ قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: هَلْ كَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ أَنْ تُحَرَّقَ قُرَاهُمْ وَحُصُونُهُمْ بِالنِّيرَانِ أَوْ تُغْرَقَ بِالْمَاءِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ أَنْ تُحَرَّقَ قُرَاهُمْ وَحُصُونُهُمْ بِالنِّيرَانِ وَتُغْرَقَ بِالْمَاءِ وَتُخَرَّبَ.
قَالَ سَحْنُونٌ: وَأَصْلُ مَا جَاءَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ فِي النَّهْيِ عَنْ قَطْعِ الشَّجَرِ وَخَرَابِ الْعَامِرِ، أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَبِي بَكْرٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ نَظَرًا لِلشِّرْكِ وَأَهْلِهِ، وَالْحِيطَةَ لَهُمْ وَلَا ذَبًّا عَنْهُمْ، وَلَكِنْ أَرَادَ النَّظَرَ لِلْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ وَالْحِيطَةَ لَهُمْ وَالتَّوْهِينَ لِلشِّرْكِ، وَلِأَنَّهُ رَجَا أَنْ يَصِيرَ ذَلِكَ لِلْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّ خَرَابَهُ وَهْنٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ لِلَّذِي رَجَاهُ مِنْ كَوْنِهِ لِلْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ خَرَابَهُ ضَرَرٌ عَلَى الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ نَظَرًا لِأَهْلِ الشِّرْكِ وَمَنْعِ نَوَاحِيهِ، وَكُلُّ بَلَدٍ لَا رَجَاءَ لِلْمُسْلِمِينَ فِي الظُّهُورِ عَلَيْهَا وَالْمَقْدِرَةِ فَوَهْنُ ذَلِكَ وَضَرُورَةٌ عَلَى أَهْلِ الشِّرْكِ، وَهُوَ أَصْلُ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْلُ هَذَا الْمُلْكِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ عَنْ مَالِكٍ فِي الرُّهْبَانِ، فَقَالَ مَالِكٌ: فِيهِمْ التَّدْبِيرُ وَالنَّظَرُ وَالْبُغْضُ لِلدِّينِ وَالْحُبُّ لَهُ، وَالذَّبُّ عَنْ النَّصْرَانِيَّةِ فَهُمْ أَنْكَى مِمَّنْ يُقَاتِلُ بِدِينِهِ، وَأَضَرُّ بِالْمُسْلِمِينَ، وَالْأَكْثَرُ وَالْغَالِبُ أَنَّهُمْ لَا يُقْتَلُونَ يَعْنِي الرُّهْبَانَ وَالشَّيْخَ الْكَبِيرَ. ابْنُ وَهْبٍ وَذَكَرَ مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَأَلْت عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ وَنَافِعًا مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ عَنْ شَجَرِ الْعَدُوِّ: هَلْ تُقْطَعُ وَهَلْ تُهْدَمُ بُيُوتُهُمْ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: فَقَطْعُ الشَّجَرِ الْمُثْمِرِ وَغَيْرِ الْمُثْمِرِ أَكَانَ مَالِكٌ يَرَى بِهِ بَأْسًا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يُقْطَعُ الشَّجَرُ فِي بِلَادِهِمْ الْمُثْمِرُ وَغَيْرُ الْمُثْمِرِ وَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ، قُلْت: وَهَلْ كَانَ يَرَى حَرْقَ قُرَاهُمْ وَحُصُونِهِمْ وَقَطْعَ شَجَرِهِمْ وَخَرَابَ بِلَادِهِمْ أَفْضَلَ مِنْ تَرْكِ ذَلِكَ؟
قَالَ: لَا أَدْرِي، وَلَكِنِّي سَمِعْته يَقُولُ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَكَانَ يَتَأَوَّلُ هَذِهِ الْآيَةَ {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ} [الحشر: ٥] وَيَتَأَوَّلُ هَذِهِ الْآيَةَ إذَا ذَكَرَ قَطْعَ الشَّجَرِ وَخَرَابَ بِلَادِهِمْ، وَقَدْ ذَكَرَ مَالِكٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطَعَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحْرَقَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَهِيَ الْبُوَيْرَةُ، وَلَهَا يَقُولُ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute