للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفَسْخُهُ لَيْسَ فِيهِ طَلَاقٌ، أَلَا تَرَى أَنَّ مِمَّا بَيْنَ ذَلِكَ أَنْ لَوْ أَنَّ امْرَأَةً زَوَّجَتْ نَفْسَهَا فَوَقَعَ ذَلِكَ إلَى قَاضٍ يُجِيزُ ذَلِكَ، وَهُوَ رَأْيُ بَعْضِ أَهْلِ الْمَشْرِقِ فَقَضَى بِهِ وَأَنْفَذَهُ حِينَ أَجَازَهُ الْوَلِيُّ.

ثُمَّ أَتَى قَاضٍ مِمَّنْ لَا يُجِيزُهُ أَكَانَ يَفْسَخُهُ وَلَوْ فَسَخَهُ لَأَخْطَأَ فِي قَضَائِهِ، فَكَذَلِكَ يَكُونُ الطَّلَاقُ يَلْزَمُهُ فِيهِ وَهَذَا الَّذِي سَمِعْت مِمَّنْ أَثِقُ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَهُوَ رَأْيِي.

قَالَ سَحْنُونٌ: وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ لِرِوَايَةٍ بَلَغَتْهُ عَنْ مَالِكٍ قَالَ: فَقُلْنَا لِمَالِكٍ: فَالْعَبْدُ يَتَزَوَّجُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ إنْ أَجَازَ سَيِّدُهُ النِّكَاحَ أَيَجُوزُ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: نَعَمْ قَالَ: فَقُلْنَا لِمَالِكٍ فَإِنْ فَسَخَهُ سَيِّدُهُ بِالْبَتَاتِ أَيَكُونُ ذَلِكَ لِسَيِّدِهِ أَمْ يَكُونُ وَاحِدَةً وَلَا يَكُونُ بَتَاتًا؟

قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: بَلْ هِيَ عَلَى مَا طَلَّقَهَا السَّيِّدُ عَلَى الْبَتَاتِ وَلَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَتَزَوَّجَ زَوْجًا غَيْرَهُ.

قُلْتُ: وَلِمَ جَعَلَ مَالِكٌ بِيَدِ السَّيِّدِ جَمِيعَ طَلَاقِ الْعَبْدِ إذَا تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ وَالسَّيِّدُ لَوْ شَاءَ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا بِتَطْلِيقَةٍ وَتَكُونُ بَائِنَةً فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟

قَالَ: لِأَنَّهُ لَمَّا نَكَحَ نَكَحَ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَلِيِّ السَّيِّدِ صَارَ الطَّلَاقُ بِيَدِ السَّيِّدِ، فَذَلِكَ جَازَ لِلسَّيِّدِ أَنْ يُبِينَهَا مِنْهُ بِجَمِيعِ الطَّلَاقِ، وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ إذَا أُعْتِقَتْ وَهِيَ تَحْتَ الْعَبْدِ قَالَ مَالِكٌ: فَلَهَا أَنْ تَخْتَارَ نَفْسَهَا بِالْبَتَاتِ.

قُلْتُ: لِمَ جَعَلَ مَالِكٌ لَهَا أَيْضًا أَنْ تَخْتَارَ نَفْسَهَا بِالْبَتَاتِ؟

قَالَ: لِأَنَّهُ ذَكَرَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ فِي زَبْرَاءَ أَنَّهَا قَالَتْ: فَفَارَقْتُهُ ثَلَاثًا، فَبِهَذَا الْأَثَرِ أَخَذَ مَالِكٌ، فَكَانَ مَالِكٌ مَرَّةً يَقُولُ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَخْتَارَ نَفْسَهَا إذَا أُعْتِقَتْ وَهِيَ تَحْتَ الْعَبْدِ إلَّا وَاحِدَةً وَتَكُونُ تِلْكَ الْوَاحِدَةُ بَائِنَةً. قَالَ سَحْنُونٌ: وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الرُّوَاةِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا إلَّا وَاحِدَةً، وَالْعَبْدُ إذَا تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَرَدَّ النِّكَاحَ مِثْلُ الْأَمَةِ لَيْسَ يُطَلِّقُ عَلَيْهِ إلَّا الْوَاحِدَةَ لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ تُبِينُهَا وَتُفْرِغُ لَهُ عَبْدَهُ

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ فِي قَوْلِهِ هَذَا إلَّا وَاحِدَةً أَيَكُونُ لِلْأَمَةِ أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا وَاحِدَةً إنْ شَاءَتْ وَإِنْ شَاءَتْ بِالْبَتَاتِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ قُلْتُ: فَإِنْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً أَتَكُونُ بَائِنَةً فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟

قَالَ: نَعَمْ.

قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: فَكُلُّ نِكَاحٍ يُفْسَخُ عَلَى كُلِّ حَالٍ لَا يَقِرُّ عَلَى حَالٍ إنْ فُسِخَ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ طَلَاقًا

قُلْتُ: فَإِنْ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَفْسَخَ نِكَاحَهُ، أَيَقَعُ طَلَاقُهُ عَلَيْهَا، وَهُوَ إنَّمَا هُوَ نِكَاحٌ لَا يَقِرُّ عَلَى حَالٍ؟ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا وَأَرَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ لِأَنَّ الْفَسْخَ فِيهِ يَكُونُ طَلَاقًا قَالَ: وَذَلِكَ إنْ كَانَ ذَلِكَ النِّكَاحُ حَرَامًا لَيْسَ مِمَّا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ، فَأَمَّا مَا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ حَتَّى يَأْخُذَ بِهِ قَوْمٌ وَيَكْرَهَهُ قَوْمٌ فَإِنَّ الْمُطَلِّقَ يَلْزَمُهُ مَا طَلَّقَ فِيهِ وَقَدْ فَسَّرْت هَذَا قَبْلَ ذَلِكَ وَيَكُونُ الْفَسْخُ فِيهِ عِنْدِي تَطْلِيقَةً

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَذَفَ امْرَأَتَهُ هَذَا الَّذِي يُزَوِّجُهَا تَزْوِيجًا لَا يَقِرُّ عَلَى حَالٍ أَيَلْتَعِنُ أَمْ لَا؟ قَالَ: نَعَمْ، يَلْتَعِنُ فِي رَأْيِي؛ لِأَنَّهُ يُخَافُ الْحَمْلُ لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ فِيهِ قُلْتُ: فَإِنْ كَانَ تَظَاهَرَ مِنْهَا فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مُظَاهِرًا إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ إنِّي إنْ تَزَوَّجْتُك مِنْ ذِي قَبْلُ، فَهَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>