غَيْبِهَا، وَإِنْ وَجَدَاهُمَا كِلَاهُمَا مُنْكِرًا لِحَقِّ صَاحِبِهِ يُسِيءُ الدَّعَةَ فِيمَا أَمَرَهُ اللَّهُ مِنْ صُحْبَتِهِ، فَرَّقَا بَيْنَهُمَا عَلَى نَاحِيَةٍ مِنْ بَعْضِ مَا كَانَ أَصْدَقُهَا يُعْطِيَانِهِ إيَّاهُ وَإِنْ كَرِهَتْ، وَلَكِنَّهُ يُقَالُ لَا يُؤْتَمَنُ أَحَدُكُمَا عَلَى صَاحِبِهِ وَلَيْسَ تُعْطَى أَيُّهَا الزَّوْجُ الصَّدَاقَ وَقِبَلَكَ نَاحِيَةٌ مِنْ الظُّلْمِ وَقَدْ اسْتَمْتَعَتْ بِهَا، وَلَيْسَ لَكِ يَا امْرَأَةُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَكِ وَبَيْنَهُ فَتَذْهَبِينَ بِنَفْسِكِ وَمَالِهِ وَعِنْدَكِ مِنْ الظُّلْمِ مِثْلُ الَّذِي عِنْدَهُ، فَيَعْمَلُ الْحَكَمَانِ فِي الْفِدَاءِ بِرَأْيِهِمَا وَمُشَاوَرَتِهِمَا، قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: ٢٢٩] فَذَلِكَ إذَا اجْتَمَعَا فِي الْمَظْلَمَة وَحَكَمَ بِذَلِكَ الْحَكَمَانِ.
قَالَ رَبِيعَةُ: فَأَمَّا إذَا كَانَ الزَّوْجُ غَيْرَ ظَالِمٍ، فَكُلُّ مَا أَخَذَ مِنْ امْرَأَتِهِ فَهُوَ حَلَالٌ إنْ كَانَتْ مُحْسِنَةً أَوْ مُسِيئَةً، قَالَ رَبِيعَةُ: وَلَيْسَ لِلْحَكَمَيْنِ أَنْ يُبْعَثَا إلَّا بِسُلْطَانٍ، وَمَا قَضَى بِهِ الْحَكَمَانِ فَهُوَ جَائِزٌ فِي فِرَاقٍ أَوْ بُضْعٍ أَوْ مَالٍ وَقَالَ رَبِيعَةُ: وَلَا يَحْرُمُ نِكَاحُهَا وَإِنْ فَرَّقَا بَيْنَهُمَا الْحَكَمَانِ.
فَقَالَ رَبِيعَةُ: لَا يَبْعَثُ الْحَكَمَيْنِ إلَّا السُّلْطَانُ، فَكَيْفَ يُجَازُ بِحُكْمِ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ وَالْمَسْخُوطِ؟ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: إنْ أَرَادَا بَعْدَ أَنْ يَبْعَثَ الْحَكَمَيْنِ الْخُلْعَ فَتَقَاضَيَا عَلَيْهِ دُونَ الْحَكَمَيْنِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ إذَا أَتَى ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ، قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: قَالَ رَبِيعَةُ وَقَدْ بَعَثَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ وَمُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ يَحْكُمَانِ بَيْنَ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ وَكَانَ قَدْ تَفَاقَمَ الَّذِي بَيْنَهُمَا، فَلَمَّا اقْتَرَبَا مِنْ مَسْكَنِ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إذَا رَائِحَةُ طِيبٍ وَهُدُوءٌ مِنْ الصَّوْتِ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: ارْجِعْ بِنَّا فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يَكُونَا قَدْ اصْطَلَحَا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَفَلَا تَمْضِي فَتَنْظُرَ فِي أَمْرِهِمَا فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: فَتَفْعَلُ مَاذَا؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أُقْسِمُ بِاَللَّهِ لَئِنْ دَخَلْتُ عَلَيْهِمَا فَرَأَيْتُ الَّذِي أَخَافُ عَلَيْهِمَا مِنْهُمَا لَأَحْكُمَنَّ عَلَيْهِمَا بِالْخُلْعِ، ثُمَّ لَأُفَرِّقَنَّ بَيْنَهُمَا، قَالَ مَالِكٌ: بَلَغَنِي أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ فِي الْحَكَمَيْنِ اللَّذَيْنِ قَالَ اللَّهُ: {حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} [النساء: ٣٥] أَنَّهُ قَالَ لَهُمَا أَنْ يُفَرِّقَا بَيْنَهُمَا وَأَنْ يَجْمَعَا، قَالَ مَالِكٌ: وَأَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَمْرُ الْحَكَمَيْنِ عَلَيْهِمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute