لَمْ يُدْخِلَا بِمَا زَادَ عَلَى الْوَاحِدَةِ أَمْرًا يُدْخِلَانِ بِهِ صَلَاحًا لِلْمَرْأَةِ وَزَوْجِهَا إلَّا وَالْوَاحِدَةُ تُجَزِّئُ مِنْ ذَلِكَ، وَكَذَا لَوْ حَكَمَ وَاحِدٌ بِوَاحِدَةٍ وَالْآخَرُ بِالْبَتَّةِ؛ لِأَنَّهُمَا مُجْتَمَعَانِ عَلَى الْوَاحِدَةِ، وَانْظُرْ كُلَّمَا حَكَمَ بِهِ أَحَدُهُمَا هُوَ الْأَكْثَرُ مِمَّا حَكَمَ بِهِ صَاحِبُهُ عَلَى أَنَّهُمَا قَدْ اجْتَمَعَا مِنْهُ عَلَى مَا اصْطَلَحَا مِمَّا هُوَ صَلَاحٌ لِلْمَرْأَةِ وَزَوْجِهَا، فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ مِنْ الطَّلَاقِ بَاطِلٌ.
قُلْتُ: وَكَذَلِكَ لَوْ حَكَمَا جَمِيعًا وَاجْتَمَعَا عَلَى اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ؟
قَالَ: هُوَ كَمَا وَصَفْتُ مِنْ أَنَّهُمَا لَا يُدْخِلَانِ بِمَا زَادَ عَلَى الْوَاحِدَةِ لَهُمَا صَلَاحًا، بَلْ قَدْ أَدْخَلَا مَضَرَّةً وَقَدْ اجْتَمَعَا عَلَى الْوَاحِدَةِ فَلَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ إلَّا وَاحِدَةٌ
قُلْتُ: فَلَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مِمَّنْ لَمْ يُدْخَلْ بِهَا هَلْ يَجْرِي أَمْرُهَا مَعَ الْحَكَمَيْنِ مَجْرَى الْمَدْخُولِ بِهَا وَكَيْفَ يَكُونُ أَمْرُهُمَا فِي الصَّدَاقِ إنْ كَانَ قَدْ وَصَلَ إلَيْهَا أَوْ لَمْ يَصِلْ إنْ رَأَى الْحَكَمَانِ أَنْ يُبْطِلَا مَا لَهُمَا مِنْ نِصْفِ الصَّدَاقِ إذَا طَلَّقَاهَا وَقَدْ كَانَ أَوْصَلَ الصَّدَاقَ إلَيْهِمَا، أَوْ حَكَمَا عَلَيْهَا بِرَدِّ الصَّدَاقِ كُلِّهِ إلَيْهِ أَوْ بِزِيَادَةٍ؟
قَالَ: يَجْرِي مَجْرَى الْمَدْخُولِ بِهَا، قَالَ: وَلَيْسَ لَهُمَا أَنْ يُبْطِلَا مَا يَرْجِعُ إلَيْهِ مِنْ نِصْفِ الصَّدَاقِ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَالِكًا لَا يَرَى أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ لِلْمَدْخُولِ بِهَا وَيُطَلِّقَانِهَا عَلَيْهِ؟ ، وَإِنْ حَكَمَا عَلَيْهِ بِرَدِّ الصَّدَاقِ كُلِّهِ فَهُوَ جَائِزٌ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَالِكًا يَقُولُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَإِنْ رَأَيَا أَنْ يَأْخُذَا مِنْهَا وَيَكُونُ خُلْعًا فِعْلًا.
قُلْتُ: فَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا حِينَ حَكَمَا: بَرِئَتْ مِنْكَ، وَقَالَ الْآخَرُ هِيَ خَلِيَّةٌ؟ فَقَالَ: الْمَدْخُولُ بِهَا فَكَأَنَّهُمَا قَالَا أَلْبَتَّةَ أَوْ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ هَذَيْنِ - الِاسْمَيْنِ وَإِنْ اخْتَلَفَا ثَلَاثٌ - وَهُمَا إذَا حَكَمَا بِثَلَاثٍ كَانَتْ وَاحِدَةً لِمَا أَعْلَمْتُكَ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لِلزَّوْجِ وَلَا لِلزَّوْجَةِ صَلَاحٌ فِي أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ أَكْثَرَ مِمَّا يُخْرِجَانِهِ مِنْ يَدِهِ، لِقَوْلِ مَالِكٍ: فَمَا زَادَ فَهُوَ خَطَأٌ، وَإِنَّهُمَا أَدْخَلَا مَضَرَّةً مِمَّا زَادَ عَلَى الْوَاحِدَةِ، وَالْوَاحِدَةُ بَيْنَهُمَا، قَالَ مَالِكٌ: وَأَمَّا الَّتِي لَمْ يُدْخَلْ بِهَا فَهِيَ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ تُخْلِيهَا وَتَبِينُ بِهَا وَإِنْ هُمَا نَوَيَا بِذَلِكَ أَلْبَتَّةَ فَهِيَ أَيْضًا وَاحِدَةٌ، أَوَلَا تَرَى أَنَّ مَالِكًا يَقُولُ فِي الْأَمَةِ تُعْتَقُ تَحْتَ الْعَبْدِ وَهِيَ مَدْخُولٌ بِهَا فَتَخْتَارُ نَفْسَهَا أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لَهَا؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ تَبِينُ بِهَا فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُدْخِلَ مَضَرَّةً إذَا كَانَتْ الْوَاحِدَةُ تَمْلِكُ نَفْسَهَا دُونَهُ، وَإِنَّهُ حَلَّ قَوْلَهُ الَّذِي كَانَ يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ وَهُوَ مُوَطَّأٌ فِي كُتُبِهِ.
قَالَ رَبِيعَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ يَتَبَارَآنِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُؤَدٍّ لِحَقِّ صَاحِبِهِ، قَالَ: هُوَ جَائِزٌ مَا لَمْ تَكُنْ الْمُبَارَأَةُ بَيْنَهُمَا عَلَى إضْرَارٍ مِنْ الزَّوْجِ بِهَا، وَقَدْ كَانَ لَوْ أَعْطَتْهُ مَالَهَا طَيِّبَةً بِهِ نَفْسُهَا كَانَ لَهُ سَائِغًا، فَإِذَا أَخَذَتْ بِذَلِكَ نَفْسَهَا فَذَلِكَ أَجْوَزُ مَا كَانَ، وَإِنَّمَا كَانَ مَا قِيلَ لِيُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فِي حُكْمِ الْحَكَمَيْنِ إذَا بُعِثَا إلَى الرَّجُلِ وَامْرَأَتِهِ، فَإِنْ رَأَيَا مَظْلَمَةً جَاءَتْ مِنْ قِبَلِهِ فَرَّقَا بَيْنَهُمَا وَلَمْ تَقِرَّ عِنْدَهُ عَلَى الظُّلْمِ وَعَلَى صُحْبَتِهَا بِالْمُنْكَرِ، وَإِنْ رَأَيَا الْمَيْلَ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ وَالْعَدَاءَ فِي صُحْبَتِهَا أَمَرَا زَوْجَهَا فَشَدَّ يَدَهُ بِهَا وَأَجَازَ قَوْلَهُ عَلَيْهَا وَائْتَمَنَّاهُ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute