قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، ثُمَّ قَالَ لَمْ أُرِدْ بِذَلِكَ الطَّلَاقَ إنَّمَا أَرَدْت بِذَلِكَ الْكَذِبَ، أَرَدْتُ أَنْ أُخْبِرَهَا أَنَّهَا حَرَامٌ وَلَيْسَتْ بِحَرَامٍ؟
قَالَ: قَدْ سُئِلَ مَالِكٌ عَمَّا يُشْبِهُ هَذَا، فَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ نِيَّةً وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ مَالِكٍ، إلَّا أَنَّهُ أَخْبَرَنِي بَعْضُ مَنْ أَثِقُ بِهِ أَنَّ مَالِكًا سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ لَاعَبَ امْرَأَتَهُ، وَأَنَّهَا أَخَذَتْ بِفَرْجِهِ عَلَى وَجْهِ التَّلَذُّذِ، فَقَالَ لَهَا خَلِّ، فَقَالَتْ: لَا، فَقَالَ: هُوَ عَلَيْكِ حَرَامٌ، وَقَالَ الرَّجُلُ إنَّمَا أَرَدْتُ بِذَلِكَ مِثْلَ مَا يَقُولُ الرَّجُلُ أُحَرِّمُ عَلَيْكِ أَنْ تَمَسِّيهِ وَقَالَ لَمْ أُرِدْ بِذَلِكَ تَحْرِيمَ امْرَأَتِي، فَوَقَفَ مَالِكٌ فِيهَا وَتَخَوَّفَ أَنْ يَكُونَ قَدْ حَنِثَ فِيمَا قَالَ لِي مَنْ أَخْبَرَنِي بِهَذَا عَنْهُ، وَقَالَ هَذَا عِنْدِي أَخَفُّ مِنْ الَّذِي سَأَلْتَ عَنْهُ، فَاَلَّذِي سَأَلْت عَنْهُ عِنْدِي أَشَدُّ وَأَبْيَنُ أَنْ لَا يَنْوِيَ؛ لِأَنَّهُ ابْتَدَأَ التَّحْرِيمَ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ، وَهَذَا الَّذِي سُئِلَ مَالِكٌ عَنْهُ، وَقَدْ كَانَ لَهُ سَبَبٌ يَنْوِي بِهِ فَقَدْ وَقَفَ فِيهِ، وَقَدْ رَأَى غَيْرُ مَالِكٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْمَدِينَةِ أَنَّ التَّحْرِيمَ يَلْزَمُهُ بِهَذَا الْقَوْلِ، وَلَمْ أَقُلْ لَكَ فِي صَاحِبِ الْفَرْجِ إنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ فِي رَأْيِي، وَلَكِنْ فِي مَسْأَلَتِكَ فِي التَّحْرِيمِ أَرَى أَنْ يَلْزَمَهُ التَّحْرِيمُ وَلَا يَنْوِي كَمَا قَالَ مَالِكٌ فِي بَرِئْتِ مِنِّي إنْ لَمْ يَكُنْ لِذَلِكَ سَبَبٌ كَانَ هَذَا التَّحْرِيمُ جَوَابًا لِذَلِكَ الْكَلَامِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ كُلُّ حِلٍّ عَلَيَّ حَرَامٌ نَوَى بِذَلِكَ الْيَمِينَ؟
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فِيهِ يَمِينٌ وَإِنْ أَكَلَ وَلَبِسَ وَشَرِبَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَخْبَرَنِي مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ « {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التحريم: ١] {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: ٢] أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي أُمِّ إبْرَاهِيمَ جَارِيَتِهِ: وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُكِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ هِيَ عَلَيَّ حَرَامٌ فَأَنْزَلَ اللَّهُ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ} [التحريم: ١] إنَّ الَّذِي حَرَّمْتَ لَيْسَ بِحَرَامٍ، قَالَ {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: ٢] فِي قَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُهَا أَنْ كَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ وَطَأْ جَارِيَتَك وَلَيْسَ فِي التَّحْرِيمِ كَانَتْ الْكَفَّارَةُ» ، قَالَ: وَهَذَا تَفْسِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ، قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ عِيَاضٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي الْحَرَامِ ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ.
قَالَ عَبْدُ الْجَبَّارِ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مِثْلَهُ وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ مِثْلَهُ وَقَالَ رَبِيعَةُ مِثْلَهُ.
قَالَ: وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إنَّهُ أُتِيَ بِامْرَأَةٍ قَدْ فَارَقَهَا زَوْجُهَا اثْنَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ لَهَا أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، فَقَالَ عُمَرُ: لَا أَرُدُّهَا إلَيْكَ وَقَالَ رَبِيعَةُ فِي رَجُلٍ قَالَ الْحَلَالُ عَلَيَّ حَرَامٌ، قَالَ هِيَ يَمِينٌ إذَا حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ امْرَأَتَهُ وَلَوْ أَفْرَدَهَا كَانَتْ طَالِقًا أَلْبَتَّةَ وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ مِثْلَ قَوْلِ رَبِيعَةَ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ فِيهَا يَمِينًا، وَقَالَ يَنْكُلُ عَلَى أَيْمَانِ اللَّبْسِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute