فلم يجعل إرسال السهم كابتداء الجناية، إذا لو جعله كابتداء الجناية لما وجبت الدية، وصار كما لو جرحه وهو حربي، فمات، فلا تكون الدية واجبة وإن أسلم بعد الجراحة.
وإنما فصل الشافعي - رضي الله عنه - بين] القصاص والدية في اعتبار إرسال السهم؛ لأن القصاص حكم يسقط بالشبهة، كما تسقط الحدود بها لما كان من جنس العقوبات، وحالة الإرسال حالة ابتداء الجناية وإن لم تكن عين الجناية، فعدم المكافأة في هذه الحالة صار سببًا وشبهة في إسقاط ما يسقط بالشبهة.
وأما حكم الدية فخلاف حكم القود؛ لأن الدية تجب بالشبهة، ألا ترى أنها تجب في القتل بالأٍسباب، كما تجب في مباشرة القتل، فإذا كان عند وقوع السهم به محقون الدم جعلنا دمه مضمونًا؛ [لأنه حالة حقيقة الجناية وإن كان مباح الدم عند إرسال السهم] ولاعتبار المآل أثر ظاهر في الديات.
ألا ترى أن العبد إذا جرح، فعتق، ثم مات فالواجب دية الحر وإن كان مملوكًا يوم الجراحة، وكذلك النصراني إذا جرح، فاسلم، ثم مات، فالواجب دية مسلم وإن كان كافرًا يوم الجراحة.