وأما من قدم الحكم على الفتوى ففرقه: أن الحاكم إذا قصد تنفيذ الحكم فقد قصد تفويت الأمر وأشرف الدم على الإراقة والفرج على الإباحة. فلو كان عند صحابي دليل أوجب مخالفته لما استخار أن يسكت، بخلاف المفتي فليس يفوت، وإنما هو مخبر، وربما يعمل المستفتي بفتواه وربما لا يعمل. والساكت عن ذكر ما عنده معذور.
أما من قدم الفتوى على الحكم، ففرقه: أن القاضي مهيب بالولاية، محتشم محترم، وليس من الأدب إظهار مشاققته ومخالفته، ما دام للعذر وجه. فلعل الساكت سكت عن إظهار الخلاف،/ (٣ - أ) لهذه الحشمة، وهذه الصفة غير موجودة في المفتي، فإذا أفتى وسكت الباقون دل ظاهر سكوتهم على الموافقة.
وذهب فريق ثالث من أصحابنا إلى التسوية بين الفتوى والحكم بأن قال: القول إذا انتشر واستفاض وسكتوا كان إجماعاً، والفتوى والحكم سواء، لأنهم كانوا يتعرضون، ويعترضون ولا يحتشمون عن تبليغ الشرع، وإظهار دلائله. والله أعلم بالصواب.