فَلَيْسَ لِوَرَثَتِهِ أَنْ يُؤَخِّرُوهُ إلَّا بِرِضَا مِنْ الْغُرَمَاءِ فَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّ مَالِكًا قَدْ جَعَلَ التَّأْخِيرَ إلَى مَنْ يَسْتَحِقُّ مَا عَلَى هَذَا الْغَرِيمِ الْحَالِفِ بِوِرَاثَةٍ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ؟
قَالَ: فَإِنْ أَخَّرَهُ مَنْ يَسْتَحِقُّ مَا عَلَيْهِ إذَا أَبْرَءُوا الْمَيِّتَ فَهُوَ فِي فُسْحَةٍ مِنْ يَمِينِهِ، فَقَدْ جَعَلَ مَالِكٌ الْخِيَارَ يُورَثُ، وَجَعَلَ الْمَشِيئَةَ إذَا كَانَتْ فِي حَقٍّ تُورَثُ أَيْضًا وَلَا أَرَى لِلْوَصِيِّ أَنْ يَقْبَلَ تَأْخِيرَ الْغُرَمَاءِ إلَّا أَنْ يَرْضَوْا بِذَلِكَ مِنْ دَيْنِهِمْ فَتَبْرَأَ ذِمَّةُ الْمَيِّتِ وَإِلَّا لَمْ أَرَ ذَلِكَ لَهُمْ.
وَلَقَدْ كُتِبَ إلَيْهِ مَالِكٍ فَجَاءَهُ الْكِتَابُ وَأَنَا عِنْدَهُ يَسْأَلُونَهُ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَشَرَطَتْ عَلَيْهِ أُمُّهَا إنْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا أَوْ تَسَرَّرَ أَوْ خَرَجَ بِهَا مَنْ بَلَدِهَا فَأَمْرُهَا بِيَدِ أُمِّهَا فَمَاتَتْ الْأُمُّ أَفَتَرَى مَا كَانَ بِيَدِ الْأُمِّ مِنْ ذَلِكَ قَدْ انْفَسَخَ؟ قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَتْ أَوْصَتْ بِمَا جَعَلَ لَهَا مِنْ ذَلِكَ إلَى أَحَدٍ فَذَلِكَ إلَى مَنْ أَوْصَتْ إلَيْهِ بِذَلِكَ، فَقِيلَ لِمَالِكٍ: فَإِنْ لَمْ تُوصِ أَتَرَى ذَلِكَ لِابْنَتِهَا فَكَأَنِّي رَأَيْتُ مَالِكًا رَأَى ذَلِكَ لَهَا أَوْ قَالَ ذَلِكَ لَهَا وَلَمْ أَتَثَبَّتْهُ مِنْهُ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ أَوْصَتْ إلَى رَجُلٍ وَلَمْ تَذْكُرْ مَا كَانَ لَهَا فِي ابْنَتِهَا أَيَكُونُ لِلْوَصِيِّ مَا كَانَ لِأُمِّهَا؟
قَالَ: لَا أَرَى ذَلِكَ لَهُ وَلَا لِابْنَتِهَا أَيْضًا.
قَالَ سَحْنُونٌ: وَقَدْ رَوَى عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ بِيَدِ أَحَدٍ غَيْرِ مَنْ كَانَ جَعَلَهُ الزَّوْجُ بِيَدِهِ لِأَنَّهُ يَقُولُ لَمْ أَكُنْ أَرْضَى أَنْ أَجْعَلَ أَمْرَ امْرَأَتِي إلَّا بِيَدِهِ لِلَّذِي أَعْرِفُ مِنْ نَظَرِهِ وَحِيَاطَتِهِ وَقِلَّةِ عَجَلَتِهِ
قُلْتُ لِأَشْهَبَ: أَفَرَأَيْتَ إنْ جَعَلْت وَرَثَتَهُ يَقُومُونَ مَقَامَهُ فِي الْخِيَارِ إنْ اخْتَلَفُوا فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أُجِيزُ الْبَيْعَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ أَنْقُضُهُ، فَقَالَ لِي: إمَّا أَجَازُوا كُلُّهُمْ وَإِمَّا نَقَضُوا كُلُّهُمْ لِأَنَّ الْمَيِّتَ الَّذِي كَانَ صَارَ إلَيْهِمْ الْأَمْرُ بِسَبَبِهِ لَمْ يَكُنْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ إجَازَةَ بَعْضِ ذَلِكَ وَتَرْكَ بَعْضٍ فَكَذَلِكَ هُمْ وَاسْتَحْسَنَ أَنَّ لِمَنْ أَجَازَ مِنْهُمْ أَنْ يَأْخُذَ مُصَابَةَ مَنْ لَمْ يَجُزْ مِنْ الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي أَنْ يَأْخُذَ مُصَابَتَهُ فَلَا يَكُونُ لَهُ عَلَيْهِ غَيْرُ ذَلِكَ، وَأَمَّا النَّظَرُ غَيْرُ الِاسْتِحْسَانِ فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا أَنْ يَأْخُذُوا جَمِيعًا أَوْ يَرُدُّوا جَمِيعًا وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ سِلْعَةً ثُمَّ مَاتَ الْمُشْتَرِي وَتَرَكَ وَرَثَةً فَظَهَرُوا مِنْ تِلْكَ السِّلْعَةِ عَلَى عَيْبٍ تُرَدُّ مِنْهُ فَلَيْسَ لَهُمْ إلَّا أَنْ يَرُدُّوا جَمِيعًا أَوْ يُمْسِكُوا جَمِيعًا إلَّا أَنْ يَشَاءَ الَّذِي أَرَادَ الْإِمْسَاكَ أَنْ يَأْخُذَ جَمِيعَ ذَلِكَ فَيَكُونُ ذَلِكَ لَهُ، فَإِنْ أَبَى فَأَرَادَ الْبَائِعُ أَنْ يَقْبَلَ مُصَابَةَ الَّذِينَ أَرَادُوا أَنْ يَرُدُّوا فَيَكُونُ ذَلِكَ لَهُ. وَقَالَ أَشْهَبُ: وَكَذَلِكَ مَنْ بَاعَ سِلْعَةً مِنْ رَجُلَيْنِ فَوَجَدَا بِهَا عَيْبًا تُرَدُّ مِنْهُ فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا رَدَّهَا وَأَبَى الْآخَرُ فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُمَا عَلَى الْبَائِعِ، وَلَكِنْ يَرُدَّانِ جَمِيعًا أَوْ يُمْسِكَانِ جَمِيعًا، وَلَا بُدَّ لِلَّذِي أَرَادَ أَنْ يُمْسِكَ مِنْ أَنْ يَرُدَّ مَعَ صَاحِبِهِ أَوْ يَأْخُذَ السِّلْعَةَ كُلَّهَا بِالثَّمَنِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute