للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قُلْتُ لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْتَ الْقَاضِيَ، أَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَّخِذَ قَاسِمًا مَنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَوْ عَبْدًا أَوْ مُكَاتَبًا؟ قَالَ: لَا يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ فِي كِتَابِ أَهْلِ الذِّمَّةِ مَا قَدْ أَعْلَمْتُكَ.

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَّخِذَ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ إلَّا الْعُدُولَ الْمَرْضِيِّينَ، وَهَذَا رَأْيِي. قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: كَانَ خَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ وَمُجَاهِدٌ يَقْسِمَانِ فِي زَمَانِهِمَا وَلَا يَأْخُذَانِ عَلَى ذَلِكَ أَجْرًا.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْقَاضِيَ إذَا رَأَى مَنْ يَزْنِي أَوْ مَنْ يَسْرِقُ أَوْ مَنْ يَشْرَبُ خَمْرًا، أَيُقِيمُ عَلَيْهِ الْحَدَّ أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا وَجَدَ السُّلْطَانُ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ عَلَى حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ رَفَعَ ذَلِكَ إلَى الَّذِي فَوْقَهُ. قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ رَآهُ السُّلْطَانُ الْأَعْلَى الَّذِي لَيْسَ فَوْقَهُ سُلْطَانٌ؟ قَالَ: مَا سَمِعْتُ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا، وَلَكِنِّي أَرَى أَنْ يَرْفَعَهُ إلَى الْقَاضِي. قُلْتُ: أَرَأَيْتَ مِثْلَ أَمِيرِ مِصْرٍ، إنْ رَأَى أَحَدًا عَلَى حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ، أَيَرْفَعُهُ إلَى الْقَاضِي أَوْ إلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: يَرْفَعُهُ إلَى الْقَاضِي وَيَكُونُ الْأَمِيرُ شَاهِدًا.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ سَمِعَ الْقَاضِي رَجُلًا يَقْذِفُ رَجُلًا، أَيُقِيمُ عَلَيْهِ الْحَدَّ أَمْ لَا؟ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ مَالِكًا قَالَ: إنْ سَمِعَ السُّلْطَانُ رَجُلًا يَقْذِفُ رَجُلًا، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ فِيهِ الْعَفْوُ.

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَذَلِكَ إذَا كَانَ مَعَ السُّلْطَانِ شُهُودٌ غَيْرَهُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ فِيهِ الْعَفْوُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَقْذُوفُ يُرِيدُ سَتْرًا يَخَافُ إنْ لَمْ يَجُزْ عَفْوُهُ عَنْ الْقَاذِفِ أَنْ يَأْتِيَ الْقَاذِفُ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّهُ كَذَلِكَ. فَقِيلَ لِمَالِكٍ: فَكَيْفَ يُعْرَفُ ذَلِكَ؟ قَالَ: يَسْأَلُ الْإِمَامُ فِي السِّرِّ وَيُسْتَحْسَنُ ذَلِكَ، فَإِذَا أُخْبِرَ أَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ قَدْ سُمِعَ أَجَازَ عَفْوَهُ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ رَأَى الْقَاضِي بَعْدَمَا وُلِّيَ الْقَضَاءَ رَجُلًا يَأْخُذُ مَالَ رَجُلٍ أَوْ يَغْصِبُهُ سِلْعَةً مِنْ السِّلَعِ، أَيَقْضِي بِذَلِكَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَاهِدٌ غَيْرُهُ؟ قَالَ: لَا أَرَى أَنْ يَقْضِيَ بِهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تُثْبِتُ إنْ أَنْكَرَهُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَالِكًا سُئِلَ عَنْ الْخَصْمَيْنِ يَخْتَصِمَانِ إلَى الْقَاضِي وَلَيْسَ عِنْدَهُ أَحَدٌ، فَيُقِرُّ أَحَدُهُمَا بِالشَّيْءِ ثُمَّ يَأْتِيَانِ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَجْحَدُ أَحَدُهُمَا وَقَدْ أَقَرَّ عِنْدَهُ قَبْلَ ذَلِكَ، أَتَرَى أَنْ يَقْضِيَ الْقَاضِي بِمَا أَقَرَّ بِهِ؟ قَالَ مَالِكٌ: هُوَ عِنْدِي مِثْلُ الْحَدِّ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ، وَلَا أَرَى أَنْ يَقْضِيَ بِهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تُثْبِتُ سِوَاهُ عِنْدَهُ، أَوْ يَرْفَعَهُ إلَى مَنْ هُوَ فَوْقَهُ، فَيَكُونُ شَاهِدًا، وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الْعِرَاقِ فَرَّقُوا بَيْنَ مَا أَقَرَّ بِهِ عِنْدَ الْقَاضِي قَبْلَ أَنْ يَسْتَقْضِيَ وَبَعْدَمَا يَسْتَقْضِي، فَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ ذَلِكَ، فَرَآهُ وَاحِدًا. وَرَأَى أَنْ لَا يَقْضِيَ بِهِ وَرَآهُ مِثْلَ الْحَدِّ الَّذِي يَطَّلِعُ عَلَيْهِ فِي حَدِّ الْفِرْيَةِ، إلَّا أَنْ يَرْفَعَهُ إلَى مَنْ هُوَ فَوْقَهُ فَيَكُونُ شَاهِدًا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَخْبَرَنِي بِهَذَا عَنْ مَالِكٍ مَنْ أَثِقُ بِهِ.

قُلْتُ لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْتَ الْقَاضِيَ إذَا بَاعَ مَالَ الْيَتَامَى، أَوْ بَاعَ مَالَ رَجُلٍ مُفْلِسٍ فِي الدَّيْنِ، أَوْ بَاعَ مَالَ مَيِّتٍ وَوَرَثَتُهُ غُيَّبٌ، عَلَى مَنْ الْعُهْدَةُ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ فِي الْوَصِيِّ: إنَّهُ لَا عُهْدَةَ عَلَيْهِ، فَكَذَلِكَ الْقَاضِي لَا عُهْدَةَ عَلَيْهِ. قُلْتُ: فَعَلَى مَنْ عُهْدَةُ الْمُشْتَرِي إذَا بَاعَ الْوَصِيُّ تَرِكَةَ الْمَيِّتِ؟ قَالَ: فِي مَالِ الْيَتَامَى. قُلْتُ: فَإِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>