للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: ٢٣٦] فَهَذَا نِكَاحٌ بِغَيْرِ صَدَاقٍ وَهَذَا التَّفْوِيضُ فِيمَا قَالَ لَنَا مَالِكٌ.

قُلْتُ: وَإِذَا تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ صَدَاقٍ، أَيَكُونُ لِلزَّوْجِ أَنْ يُقْرِضَ لَهَا أَدْنَى مِنْ صَدَاقِ مِثْلِهَا؟

قَالَ: لَا.

قُلْتُ: فَلَا أَرَى هَذَا إذًا تَفْوِيضًا، قَالَ: إنَّمَا التَّفْوِيضُ عِنْدَ مَالِكٍ أَنْ يَقُولُوا قَدْ أَنْكَحْنَاكَ وَلَا يُسَمُّوا الصَّدَاقَ فَيَكُونُ لَهَا صَدَاقُ مِثْلِهَا إنْ بَنَى بِهَا إلَّا أَنْ يَتَرَاضَوْا عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَيَكُونُ صَدَاقُهَا مَا تَرْضَوْا عَلَيْهِ بِحَالِ مَا وَصَفْتُ لَكَ، وَأَمَّا عَلَى حُكْمِهِ أَوْ عَلَى حُكْمِهَا أَوْ حُكْمِ فُلَانٍ فَقَدْ أَخْبَرْتُكَ فِيهِ بِرَأْيِي وَمَا بَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ وَلَسْتُ أَرَى بِهِ بَأْسًا.

قَالَ سَحْنُونٌ وَقَالَ غَيْرُهُ مَا قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَوَّلَ قَوْلِهِ لَا يَجُوزُ وَيُفْسَخُ مَا لَمْ يَفُتْ بِدُخُولٍ؛ لِأَنَّهُمَا خَرَجَا مِنْ حَدِّ التَّفْوِيضِ وَالرِّضَا مِنْ الْمَرْأَةِ بِمَا فَوَّضَتْ إلَى الزَّوْجِ، وَهُوَ الَّذِي جَوَّزَهُ الْقُرْآنُ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ هُوَ النَّاكِحُ الْمُفْرِضُ، فَإِذَا زَالَ عَنْ الْوَجْهِ الَّذِي أُجِيزَ بِهِ صَارَ إلَى أَنَّهُ عَقَدَ النِّكَاحَ بِالصَّدَاقِ الْغَرَرِ فَيُفْسَخُ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَإِنْ فَاتَتْ بِالدُّخُولِ أُعْطِيت صَدَاقَ مِثْلِهَا

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى حُكْمِهَا فَدَخَلَ بِهَا أَتُقِرُّهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا وَتَجْعَلُ لَهَا صَدَاقَ مِثْلِهَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟

قَالَ: نَعَمْ أُقِرُّهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا وَيَكُونُ لَهَا صَدَاقُ مِثْلِهَا إذَا بَنَى بِهَا وَإِنْ كَانَ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا فَقَدْ أَخْبَرْتُكَ فِيهَا بِرَأْيِي وَمَا بَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى حُكْمِ فُلَانٍ أَوْ عَلَى حُكْمِهِ أَوْ بِمَنْ رَضِيَ حُكْمَهُ أَوْ عَلَى حُكْمِ أَبِيهَا؟ قَالَ: مَا سَمِعْتُ فِيهِ مِنْ مَالِكٍ شَيْئًا وَأَرَى هَذَا يَجُوزُ وَيَثْبُتُ النِّكَاحُ وَتُوقَفُ الْمَرْأَةُ فِيمَا حَكَمَتْ أَوْ بِمِنْ رَضِيَ حُكْمَهُ، فَإِنْ رَضِيَ بِذَلِكَ الزَّوْجُ جَازَ النِّكَاحُ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَلَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ مِنْ الصَّدَاقِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُفَوَّضِ إلَيْهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُفَوَّضَ إلَيْهِ إنْ لَمْ يُعْطِ صَدَاقَ مِثْلِهَا لَمْ يَلْزَمْهُ النِّكَاحُ، فَهُوَ مَرَّةً يَلْزَمُهَا إنْ أَعْطَاهَا صَدَاقَ مِثْلِهَا وَمَرَّةً لَا يَلْزَمُهَا إنْ قَصَّرَ عَنْهُ وَهَذَا مِثْلُهُ عِنْدِي، وَقَدْ سَمِعْتُ بَعْضَ مَنْ أَثِقُ بِهِ يَأْثُرُهُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ أَجَازَهُ عَلَى مَا فَسَّرْتُ لَكَ قَالَ سَحْنُونٌ وَهَذَا مِمَّا وَصَفْتُ لَكَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ كُلَّ نِكَاحٍ كَانَ الْمَهْرُ فِيهِ غَرَرًا لَا يُصْلَحُ إنْ أُدْرِكَ قَبْلَ أَنْ يَبْتَنِيَ بِهَا فَرَّقْتَ بَيْنَهُمَا وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الزَّوْجِ مِنْ الصَّدَاقِ الَّذِي سَمَّى وَلَا مِنْ الْمُتْعَةِ شَيْءٌ، وَإِنْ دَخَلَ بِهَا جَعَلْتَ النِّكَاحَ ثَابِتًا وَجَعَلْتَ لَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا؟

قَالَ: نَعَمْ، إذَا كَانَ إنَّمَا جَاءَ الْفَسَادُ مِنْ قِبَلِ الصَّدَاقِ الَّذِي سَمَّوْا

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى مَا لَا يَحِلُّ مِثْلَ الْبَعِيرِ الشَّارِدِ وَنَحْوُهُ فَطَلَّقَهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ بِهَا أَيَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟

قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا أُدْرِكَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فُسِخَ النِّكَاحُ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَرَى أَنْ يَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا دَخَلَ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ؛ لِأَنَّهُ نِكَاحٌ قَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ النَّاسُ.

قَالَ سَحْنُونٌ وَهَذَا قَدْ بَيَّنْته فِي الْكِتَابِ الْأَوَّلِ، إنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>