وفي الصحيحين عن أنس رضي الله تعالى عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا، وكان لي أخ لأمي فطيم يقال له عمير، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاءنا قال «١» : «يا أبا عمير ما فعل النغير» ؟. وعمير تصغير عمر أو عمرو، والفطيم بمعنى المفطوم. قال شيخ الإسلام النووي رحمه الله تعالى، في الحديث فوائد كثيرة منها: جواز تكنية من لم يولد له، وتكنية الطفل وأنه ليس كذبا.
وفي الحديث:«بادروا بكنى أولادكم لا تسبق إليها ألقاب السوء» . وفيه جواز المزاح فيما ليس بإثم، وجواز تصغير بعض المسميات، وجواز التسجيع في الكلام الحسن بلا كلفة، وملاطفة الصبيان وتأنيسهم، وبيان ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من حسن الخلق وكرم الشمائل، والتواضع وزيارة أهل الفضل، لأن أم سليم والدة أبي عمير وأنس رضي الله تعالى عنهما، هي من محارمه صلى الله عليه وسلم. واستدل به بعض المالكية على جواز الصيد من حرم المدينة، ولا دلالة فيه لذلك، لأنه ليس في الحديث أنه من حرم المدينة، بل نقول: إنه صيد من الحل وأدخل الحرم. ويجوز للحلال أن يفعل ذلك، ولا يجوز له أن يصيد من الحرم، فيفرق بين ابتداء صيده، وبين استصحاب إمساكه. وقد صحت أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في تحريم صيد حرم المدينة، فلا يجوز تركها بمثل هذا الاحتمال ومعارضتها به. وفي الحديث أيضا دليل على جواز لعب الصغير بالطير الصغير.
قال العلامة أبو العباس القرطبي: لكن الذي أجاز العلماء أن يمسك له، وأن يلهو بحبسه.
وأما تعذيبه والعبث به فلا يجوز، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن تعذيب الحيوان إلا لمأكله. وقال غيره:
معنى قوله: يلعب به يتلهى بحبسه وإمساكه، وفيه دليل على جواز حبس الطير في القفص والتلهي به لهذا الغرض وغيره.
ومنع ابن عقيل الحنبلي من ذلك، وجعله سفها وتعذيبا، لقول أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه: تجيء العصافير يوم القيامة، تتعلق بالعبد الذي كان يحبسها في القفص عن طلب أرزاقها، وتقول: يا رب هذا عذبني في الدنيا. والجواب: أن هذا فيمن منعها المأكول والمشروب. وقد سئل القفال عن ذلك؛ فقال: إذا كفاها المؤنة جاز، بل في الحديث دليل على جواز قصها للعب الصبيان بها.
وكان بعض الصحابة يكره ذلك. ورأيت لأبي العباس أحمد بن القاص مصنفا حسنا على هذا الحديث، وذكر فيه أن أبا حنيفة سمع صوت امرأة يضربها بعلها، وهي تصيح، فقال:
صدقة مقبولة وحسنة مكتوبة. فقال له رجل من أصحابه: كيف ذاك يا أستاذ؟ فقال لقوله صلى الله عليه وسلم: