ثم أحرقوا خشبته وجسده رحمه الله. وكان قد بايعه خلق كثير، وحارب متولي العراق يوسف بن عمران، عم الحجاج بن يوسف الثقفي، فظفر به يوسف ففعل به ذلك. وكان ظهوره في أيام هشام بن عبد الملك، ولما خرج أتاه طائفة كثيرة من أهل الكوفة، وقالوا له: تبرأ من أبي بكر وعمر، حتى نبايعك، فأبى، فقالوا: إذن نرفضك. فمن ذلك سموا الرافضة. وأما الزيدية فقالوا: لا نتولاهما ونتبرأ ممن تبرأ منهما، وخرجوا مع زيد فسموا الزيدية. وروى زيد عن أبيه زين العابدين وجماعة، وروى له أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.
[تتمة]
: ذكر ابن خلكان، في ترجمة يعقوب بن جابر المنجنيقي، أنه وقف بالقاهرة على كراريس من شعره، ورأى فيها البيتين المشهورين المنسوبين إلى جماعة من الشعراء ولا يعرف قائلهما على الحقيقة وهما «١» :
ألقني في لظى فإن أحرقتني ... فتيقن إن لست بالياقوت
جمع النسج كلّ من حاك لكن ... ليس داود فيه كالعنكبوت
قال: فعمل يعقوب بن صابر في جوابهما هذه الأبيات «٢» :
أيها المدعي الفخار دع الفخر ... لذي الكبرياء والجبروت
نسج داود لم يفد ليلة الغار ... وكان الفخار للعنكبوت
وبقاء السمند في لهب النار ... مزيل فضيلة الياقوت
وكذاك النعام يلتقم الجمر ... وما الجمر للنعام بقوت
وقد تقدم في السمندل الإشارة إلى هذه الأبيات.
[وحكم العنكبوت]
: تحريم الأكل لاستقذارها.
[الأمثال]
: قالوا: «أغزل من عنكبوت» «٣» وقالوا: «أوهن من بيت العنكبوت» «٤» قال «٥» الله تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ
. فضرب الله ببيتها المثل لمن اتخذ من دونه آلهة لا تضره ولا تنفعه، فكما أن بيت العنكبوت لا يقيها حرا ولا بردا ولا قصد أحد إليها، فكذلك ما اكتسبوه من الكفر، واتخذوه من الأصنام، لا يدفع عنهم غدا شيئا. والعالمون كل من عقل عن الله عز وجل، وعمل بطاعته، وانتهى عن معصيته، فهم يعقلون صحة هذه الأمثال وحسنها وفائدتها. وكان جهلة قريش يقولون: إن رب محمد يضرب الأمثال بالذباب والعنكبوت، ويضحكون من ذلك، وما علموا أن الأمثال تبرز المعاني الخلفية في الصور الجلية.