للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وعن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أهدت امرأة لرسول الله صلى الله عليه وسلم طيرين بين رغيفين، فقدمتهما إليه، فقال صلى الله عليه وسلم: «اللهم ائتني بأحب خلقك إليك وإلى رسولك» . ثم ذكر معنى الحديث. قال الحاكم: وقد رواه عن أنس جماعة أكثر من ثلاثين نفسا. ثم صحت الرواية عن علي وأبي سعيد وسفينة وهو من الأحاديث المستدركة على المستدرك. قال الذهبي في تلخيصه: لقد كنت زمنا طويلا أظن أن حديث الطير لم يجسر الحاكم أن يودعه في مستدركه فلما علقت هذا الكتاب، رأيت الهول من الموضوعات التي فيه والله أعلم.

[النحل:]

ذباب العسل، وقد تقدم في باب الذال المعجمة، في لفظ الذباب، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في تفسير سورة النساء: «الذباب كله في النار إلا النحل» «١» . وواحدة النحل نحلة كنخل ونخلة. وقرأ يحيى بن وثاب: وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ

«٢» بفتح الحاء. والجمهور بالإسكان.

قال الزجاج: سميت نحلا لأن الله تعالى نحل الناس العسل، الذي يخرج منها، إذ النحلة العطية وكفاها شرفا قول الله تعالى: وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ

«٣» فأوحى سبحانه إليها وأثنى عليها فعلمت مساقط الأنواء من وراء البيداء، فتقع هناك على كل حرارة عبقة، وزهرة أنقة، ثم تصدر عنها بما تحفظه رضابا وتلقطه شرابا.

قال القزويني، في عجائب المخلوقات: يقال ليوم عيد الفطر يوم الرحمة، إذ فيه أوحى الله إلى النحل صنعة العسل، فبين سبحانه أن في النحل أعظم اعتبار، وهو حيوان فهيم ذو كيس وشجاعة، ونظر في العواقب، ومعرفة بفصول السنة. وأوقات المطر، وتدبير المرتع والمطعم، والطاعة لكبيره، والاستكانة لأميره وقائده، وبديع الصنعة وعجيب الفطرة.

قال أرسطو: النحل تسعة أصناف: منها ستة يأوي بعضها إلى بعض. قال: وغذاؤها من الفضول الحلوة والرطوبات التي يرشح بها الزهرة والورق، ويجمع ذلك كله ويدخره، وهو العسل وأوعيته، ويجمع مع ذلك رطوبات دسمة، يتخذ منها بيوت العسل، وهذه الدسومات هي الشمع، وهو يلقطها بخرطومه ويحملها على فخذيه، وينقلها من فخذيه إلى صلبه، هكذا قال.

والقرآن يدل على أنها ترعى الزهر، فيستحيل في جوفها عسلا وتلقيه من أفواهها، فيجتمع منه القناطير المقنطرة قال الله تعالى: ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ

«٤» وقوله: مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ

«٥» المراد به بعضها، نظيره قوله تعالى: وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ

«٦» يريد البعض واختلاف الألوان في العسل بحسب اختلاف النحل والمرعى، وقد يختلف طعمه لاختلاف المرعى. ومن هذا المعنى قول زينب رضي الله تعالى عنها للنبي صلى الله عليه وسلم: جرست نحلة العرفط، حين شبهت رائحته برائحة المغافير والحديث مشهور في الصحيحين وغيرهما.

ومن شأنه في تدبير معاشه أنه إذا أصاب موضعا نقيا بنى فيه بيوتا من الشمع أولا، ثم بنى

<<  <  ج: ص:  >  >>