واعلم أن مناقب عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه، كثيرة جدا. فمن أراد معرفة ذلك فعليه بسيرة العمرين والحلية، وغيرهما. وكان مرضه رضي الله تعالى عنه، بدير سمعان من أرض حمص، ولما احتضر قال: اجلسوني فاجلسوه فقال: إلهي أنا الذي أمرتني فقصرت، ونهيتني فعصيت، ولكن لا إله إلا الله. وتوفي رضي الله تعالى عنه، لخمس وقيل لست مضين وقيل لعشر بقين من رجب الفرد سنة إحدى ومائة وهو ابن تسع وثلاثين سنة وأشهر، وقيل وهو ابن أربعين سنة.
وكان رضي الله تعالى عنه، أبيض مليحا جميلا مهيبا، نحيف الجسم حسن اللحية، بجبهته شجة من حافر فرس ضربه وهو صغير وكان إليه المنتهى، في العلم والفضل، والشرف والورع، والتألف ونشر العدل. جدّد الله تعالى به للأمة دينها وسار فيها بسيرة جده لأمه عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وكانت دولته في طول مدة أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهم أجمعين. وقبره رضي الله تعالى عنه، بدير سمعان ظاهر يزار. قال الشافعي رضي الله تعالى عنه: الخلفاء الراشدون خمسة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
وذكر الحافظ ابن عساكر أنه لما وضع في قبره بدير سمعان هبت ريح شديدة فسقطت منها صحيفة مكتوبة بأحسن خط: بسم الله الرّحمن الرحيم براءة من الله العزيز الجبار لعمر بن عبد العزيز من النار. فأخذوها ووضعوها في أكفانه وكانت خلافته رضي الله تعالى عنه سنتين وخمسة أشهر.
[خلافة يزيد بن عبد الملك]
ثم قام بالأمر بعده يزيد بن عبد الملك بن مروان. بويع له بالخلافة يوم مات ابن عمه عمر بن عبد العزيز، بعهد له من أخيه سليمان في ذلك. ولما ولي قال: خذوا بسيرة عمر بن عبد العزيز، فساروا بسيرته أربعين يوما، فدخل عليه أربعون رجلا من مشايخ دمشق، وحلفوا له أنه ليس على الخلفاء حساب ولا عقاب في الآخرة، وخدعوه بذلك، فانخدع لهم. وكان طائفة من جهال الشاميين يعتقدون ذلك. وكان أبيض جسيما مليح الوجه، وقال بعض المؤرخون: إن يزيد هذا هو المعروف بالفاسق وهو غلط وإنما الفاسق ولده الوليد كما سيأتي إن شاء الله تعالى. وذكر الحافظ ابن عساكر رحمه الله وغيره، أن يزيد بن عبد الملك كان قد اشترى في أيام أخيه سليمان جارية من عثمان بن سهيل بن حنيف بأربعة آلاف دينار، وكان إسمها حبّابة بتشديد الباء الموحدة، وأحبها حبا شديدا، فبلغ أخاه سليمان ذلك، فقال: هممت أحجر على يزيد، فبلغ ذلك يزيد فباعها خوفا من أخيه سليمان. فلما أفضت الخلافة إليه قالت له زوجته: يا أمير المؤمنين هل بقي في نفسك من الدنيا شيء؟ قال: نعم. قالت: وما هو؟ قال: حبابة. فاشترتها له، وهو لا يعلم، وزينتها وأجلستها من وراء ستر لها، ثم قالت: يا أمير المؤمنين هل بقي في نفسك من الدنيا شيء؟ قال: أو ما أعلمتك إنها حبابة. فرفعت الستر، وقالت: ها أنت وحبابة، وتركته وإياها، فحظيت عنده، وغلبت على عقله، ولم ينتفع به في الخلافة وإنه قال يوما: إن بعض الناس يقولون أنه لن يصفو لأحد من الملوك يوم كامل من الدهر، وإني أريد أن أكذبهم في ذلك.