مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ
«١» ثم قال يحيى بن يعمر: فمن كان أبا عيسى وقد ألحقه الله بذرية إبراهيم؟ وما بين عيسى وإبراهيم أكثر مما بين الحسن والحسين. ومحمد صلوات الله عليه وسلامه.
فقال له الحجاج: ما أراك إلا قد خرجت، وأتيت بها مبينة واضحة، والله لقد قرأتها وما علمت بها قط، وهذا من الاستنباطات البديعة. ثم قال له الحجاج: أخبرني عني هل ألحن؟ فسكت. فقال:
أقسمت عليك. فقال: أما إذ أقسمت علي أيها الأمير، فإنك ترفع ما يخفض وتخفض ما يرفع.
فقال: ذاك والله اللحن السيء. ثم كتب إلى قتيبة بن مسلم: إذا جاءك كتابي هذا فاجعل يحيى بن يعمر على قضائك والسلام. وقيل: إن الحجاج قال ليحيى: أسمعتني ألحن؟ قال: في حرف واحد. قال: في أي؟ قال: في القرآن. قال: ذلك أشنع ما هو! قال: تقول قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ
«٢» إلى قوله: أَحَبَّ إِلَيْكُمْ
فتقرأها بالرفع. فقال له الحجاج: لا جرم تسمع لي لحنا. وألحقه بخراسان. قال الشعبي: كان الحجاج لما طال عليه الكلام نسي ما ابتدأ به.
وذكره ابن خلكان في ترجمة يحيى بن يعمر «٣» ، وفيه بعض مخالفة. قلت: في كلام يحيى تصريح بأن الضمير في ومن ذريته، يعود على إبراهيم والذي في الكواشي والبغوي وغيرهما أن الضمير يعود إلى نوح، لأن الله تعالى ذكر من جملتهم يونس ولوطا فقال: وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ وَإِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكلًّا فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ «٤»
ويونس ولوط من ذرية نوح لا من ذرية إبراهيم، لكن استدلاله صحيح على القول الثاني أيضا. قال ابن خلكان: كان يحيى بن يعمر تابعيا عالما بالقرآن والنحو، وكان شيعيا من الشيعة الأول، يتشيع تشيعا حسنا، يقول بتفضيل أهل البيت من غير تنقيص لأحد من الصحابة رضي الله تعالى عنهم. قال ابن خلكان: خطب أمير بالبصرة فقال: اتقوا الله فإنه من يتق الله فلا هوارة عليه.
فلم يدروا ما قال الأمير فسألوا أبا سعيد يحيى بن يعمر العدواني، فقال: الهوارة الضياع، كأنه قال من اتقى الله فلا ضياع عليه. والهورات المهالك واحدها هورة. وحدث الأصمعي بهذا الحديث، فقال: إن الغريب لواسع، لم أسمع بهذا قط. وتوفي يحيى بن يعمر سنة تسع وعشرين ومائة ويعمر بفتح الياء والميم بينهما عين مهملة ساكنة وقيل بضم الميم والأول أصح انتهى.
[تتمة:]
قال نصر الله بن يحيى، وكان من الثقات وأهل السنة: رأيت علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه في المنام، فقلت له: يا أمير المؤمنين تفتحون مكة فتقولون: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ثم يتم على ولدك الحسين ما تم فقال لي: أما سمعت أبيات ابن الصيفي في هذا؟ فقلت: لا. فقال: إسمعها منه. ثم انتبهت فبادرت إلى حيص بيص، فذكرت له الرؤيا فشهق وبكى وحلف بالله لم تخرج من فمه ولا خطه إلى أحد وما نظمها إلا في ليلته ثم أنشدني قوله «٥» :
ملكنا فكان العفو منا سجية ... فلما ملكتم سال بالدم أبطح