وفرغ من شأنه طلعت عليه الشمس، فقال سليمان للطير: أظلي على داود فأظلته الطير حتى أظلمت عليه الأرض، فقال سليمان للطير: اقبضي جناحا جناحا» .
قال أبو هريرة رضي الله تعالى عنه: فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يرينا كيف فعلت الطير، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، وغلبت عليه يومئذ المضرحية، انفرد باخراجه الإمام أحمد وإسناده جيد ورجاله ثقات. ومعنى قوله وغلبت عليه يومئذ المضرحية، أي غلبت على التظليل عليه الصقور الطوال الأجنحة. واحدها مضرحي. قال الجوهري: وهو الصقر الطويل الجناح. ويوضح هذا المعنى ويبينه ما روي عن وهب بن منبه، أنه قال: إن الناس حضروا جنازة داود عليه السلام، فجلسوا في الشمس، في يوم صائف، وكان قد شيع جنازته يومئذ أربعون ألف راهب، عليهم البرانس سوى غيرهم من الناس، فآذاهم الحر فنادوا سليمان عليه السلام أن يعمل لهم وقاية عليهم، لما أصابهم من الحر، فخرج سليمان فنادى الطير، فأجابت فأمرها أن تظل الناس فتراص بعضها إلى بعض من كل وجه، حتى استمسكت الريح، فكاد الناس أن يهلكوا غما، فصاحوا إلى سليمان عليه السلام من الغم، فخرج سليمان فنادى الطير أن أظلي الناس من ناحية الشمس وتنحي عن ناحية الريح، ففعلت فكان الناس في ظل، وتهب عليهم الرياح فكان ذلك أول ما رأوه من ملك سليمان عليه السلام.
[فائدة]
: قال الضحاك والكلبي: ملك داود عليه السلام بعد قتله جالوت سبعين سنة، ولم يجتمع بنو إسرائيل على ملك واحد إلا على داود عليه السلام، وجمع الله لداود بين الملك والنبوة، ولم يجتمع ذلك لأحد قبله، بل كان الملك في سبط والنبوة في سبط، فذلك قوله «١» تعالى: وَآتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ
قيل: العلم مع العمل وكل من علم وعمل فقد أوتي الحكمة وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: كان داود أشد ملوك الأرض سلطانا، كان يحرس محرابه كل ليلة ستة وثلاثون ألف رجل، فذلك قوله تعالى: وَشَدَدْنا مُلْكَهُ
«٢» وقال مقاتل: كان سليمان عليه السلام أعظم ملكا من داود، وأقضى منه وكان شاكرا لأنعم الله تعالى، وكان داود أشد تعبدا منه.
توفي داود عليه السلام وهو ابن مائة سنة، وكان عمر سليمان عليه السلام لما وصل إليه الملك ثلاث عشرة سنة ومات وهو ابن ثلاث وخمسين سنة.
والصقر أحد أنواع الجوارح الأربعة: وهي الصقر والشاهين والعقاب والبازي، وتنعت أيضا بالسباع والضواري والكواسر، والصقر ثلاثة أنواع: صقر وكونج ويؤيؤ، والعرب تسمى كل طائر يصيد صقرا، ما خلا النسر والعقاب، وتسميه الأكدر والأجدل والأخيل، وهو من الجوارح بمنزلة البغال من الدواب، لأنه أصبر على الشدة وأحمل لغليظ الغذاء والأذى وأحسن ألفا وأشد إقداما على جملة الطير من الكركي وغيره. ومزاجه أبرد من سائر ما تقدم ذكره من الجوارح وأرطب، وبهذا السبب يضري على الغزال والأرنب، ولا يضري على الطير، لأنها تفوته وهو أهدأ من البازي نفسا، وأسرع أنسا بالناس وأكثرها قنعا، يغتذي بلحوم ذوات الأربع، ولبرد مزاجه لا يشرب ماء ولو أقام دهرا، ولذلك يوصف بالبخر ونتن الفم. ومن شأنه أنه لا يأوي إلى الأشجار