يجوز بيعه ولا يحل ثمنه، وبهذا قال طاوس وعطاء بن أبي رباح، وعمر بن عبد العزيز ومالك وأحمد. وقال ابن المنذر: خص فيه عروة بن الزبير وابن سيرين وابن جريج. وفي الشامل أن جلد الفيل لا يؤثر فيه الدباغ لكثافته.
وفي صحة المسابقة على الفيل وجهان: وقيل قولان أصحهما أنها تصح لما روى الشافعي وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان، وصححه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لا سبق إلا في خف أو حافر أو نصل»«١» والسبق بفتح الباء ما يجعل للسابق على سبقه من جعل، وجمعه أسباق، وأما السبق بإسكان الباء، فهو مصدر سبقت الرجل أسبقه، والرواية الصحيحة في هذا الحديث لا سبق بفتح الباء، وأراد به أن الجعل والعطاء لا يستحق إلا في سباق الخيل والإبل والنصال، لأن هذه الأمور عدة في قتال العدو، وفي بذل الجعل عليها ترغيب في الجهاد ولم يذكر الشافعي الفيل، وقال أبو اسحاق: تجوز المسابقة عليه لأنه يلقي عليه العدو كما يلقي على الخيل، ولأنه ذو خف والصورة النادرة تدخل في العموم، على الأصح عند الأصوليين.
ومن الأصحاب من قال: لا تصح المسابقة عليه، وبه قال أحمد وأبو حنيفة، لأنه لا يحصل الكر والفر عليه، فلا معنى للمسابقة عليه، فإن قال قائل: فالإبل كالفيل في هذا المعنى، فالجواب أن العرب تقاتل على الإبل أشد القتال، وذلك لهم عادة غالبة والفيل ليس كذلك. ومن قال بالأول، قال: إنه يسبق الخيل في بلاد الهند والله أعلم.
[تذنيب]
: في سنة تسعين وخمسمائة سار نيارس أكبر ملوك الهند، وقصد بلاد الإسلام فطلبه الأمير شهاب الدين الغوري صاحب غزنة، فالتقى الجمعان على نهر ماجون، قال ابن الأثير:
وكان مع الهندي سبعمائة فيل ومن العسكر ألف ألف نفس، فصبر الفريقان، وكان النصر لشهاب الدين الغوري، وكثر القتل في الهنود حتى جافت منهم الأرض، وأخذ شهاب الدين تسعين فيلا، وقتل ملكهم نيارس، وكان قد شد أسنانه بالذهب، فما عرف إلا بذلك. ودخل شهاب الدين بلاد نيارس، وأخذ من خزائنه ألفا وأربعمائة حمل من المال، وعاد إلى غزنة. قال: وكان من جملة الفيلة التي أخذها شهاب الدين الغوري فيل أبيض، حدثني بذلك من رآه انتهى.
[الأمثال]
: قالوا: «آكل «٢» من فيل وأشد «٣» من فيل وأعجب من خلق فيل» . روي أنه كان في مجلس الإمام مالك بن أنس رحمه الله تعالى، جماعة يأخذون عنه العلم، فقال قائل: قد حضر الفيل، فخرج أصحابه كلهم للنظر إليه إلا يحيى بن يحيى الليثي الأندلسي، فإنه لم يخرج، فقال له مالك: لم لم تخرج لترى هذا الخلق العجيب فإنه لم يكن ببلادك؟ فقال: إنما جئت من بلدي لأنظر إليك، وأتعلم من هديك وعلمك، ولم أجىء لأنظر إلى الفيل. فأعجب به مالك رضي الله تعالى عنه، وسماه عاقل أهل الأندلس، ثم إن يحيى عاد إلى الأندلس، وانتهت إليه الرياسة بها.
وبه اشتهر مذهب مالك في تلك البلاد، وأشهر روايات الموطأ وأحسنها رواية يحيى وكان معظما