أنه قال: مشيت يوما بين يدي المعتضد وهو يريد دار الحرم، فلما بلغ باب دار المقتدر، وقف وتسمع وتطلع من خلل في الستر، فإذا هو بالمقتدر، وله إذ ذاك خمس سنين أو نحوها، وهو جالس وحوله قدر عشر وصائف، من أترابه في قدر سنه، وبين يديه طبق فضة وفيه عنقود عنب، في وقت فيه العنب عزيز جدا، والصبي يأكل عنبة واحدة ثم يطعم الجماعة عنبة عنبة على الدور حتى إذا بلغ الدور إليه، أكل واحدة مثل ما أكلوا، حتى فني العنقود، والمعتضد يتمزق غيظا، ثم رجع ولم يدخل الدار. فرأيته مهموما، فقلت: يا مولاي ما سبب فعلته؟ فقال: يا صافي والله لولا العار والنار لقتلت هذا الغلام اليوم! يعني المقتدر، فإن في قتله صلاحا للأمة. فقلت: يا مولاي ما شأنه وأي شيء عمل؟ أعيذك بالله يا مولاي من هذا. فقال: ويحك أنا أبصر بما أقوله، أنا رجل قد سست الأمور، وأصلحت الدنيا بعد فساد شديد، ولا بد من موتي، وأنا أعلم أن الناس بعدي لا يختارون أحدا على ولدي، وإنهم سيجلسون ابني عليا يعني المكتفي وما أظن أن عمره يطول، للعلة التي به، يعني الخنازير التي كانت في حلقه، فيتلف عن قريب ولا يرى الناس اخراجها عن ولدي، ولا يجدون بعده أمثل من جعفر يعني المقتدر وهو صبي وله من الطبع والسخاء هذا الذي قد رأيته من أنه أطعم الوصائف مثلما أكل، وساوى بينه وبينهم في شيء عزيز في العالم، والشح على مثله في طباع الصبيان غالب، فتحتوي عليه النساء لقرب عهده بهن فيقسم ما جمعته من الأموال كما قسم العنب، ويبدد ارتفاع الدنيا فتضيع الثغور، وتعظم الأمور، وتخرج الخوارج، وتحدث الأسباب التي يكون فيها زوال الملك عن بني العباس رأسا. فقلت: يا مولاي يبقيك الله، حتى ينشأ في حياة منك، ويصير كهلا في أيامك ويتأدب بآدابك، ويتخلق بأخلاقك، ولا يكون هذا الذي ظننت. فقال: ويحك احفظ عني ما أقول لك: فإنه كما قلت: قال: ومكث يومه مغموما مهموما.
وضرب الدهر ضرباته، ومات المعتضد وولي المكتفي فلم يطل عمره ومات. وولي المقتدر فكانت الصورة كما قال مولاي المعتضد بعينها، فكنت كلما ذكرت قوله أعجب منه، فو الله لقد وقفت يوما على رأس المقتدر وهو في مجلس لهوه، فدعا بالأموال فأخرجت إليه ووضعت البدر «١» بين يديه، فجعل يفرقها على الجواري والنساء، ويلعب بها ويمحقها أو يهبها. فذكرت قول مولاي المعتضد ثم إن الجند وثبوا على العباس وزيره فقتلوه، وأحضروا عبد الله بن المعتز وبايعوه وخلعوا المقتدر.
[خلافة عبد الله بن المعتز المرتضي بالله]
بويع بالخلافة بعد خلع المقتدر. بعد أن شرط عليهم أن لا يكون في ذلك حرب ولا سفك دم. فلما بويع له كتب إلى المقتدر، يأمره بلزوم دار ابن طاهر «٢» بوالدته وجواريه، وأمر الحسن بن حمدان وابن عمرويه، صاحب الشرطة، أن يصير إلى دار المقتدر، فمضيا فخرج إليهما الغلمان