هذا الشأن لا يورّث، وإن أحدا لم يخلف أباه في مجلسه إلا عبد الرحمن ابن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، وكان أفضل أهل زمانه، وكان أبوه أفضل أهل زمانه. وقال البخاري في المناسك، من صحيحه: حدثنا علي بن عبد الله، قال: حدثنا سفيان قال: حدثنا عبد الرحمن بن القاسم، وكان أفضل أهل زمانه، أنه سمع أباه، وكان أفضل أهل زمانه، يقول:
سمعت عائشة رضي الله عنها تقول:«طببت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي هاتين» . الحديث «١» وأم عبد الرحمن قريبة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، واتفق الناس على جلالته وإمامته وثقته وورعه وكثرة علمه، ولد في حياة عائشة رضي الله تعالى عنها، وتوفي سنة ست وعشرين ومائة. روى له الجماعة. وروي أن المنصور أمير المؤمنين، قال له يوما:
عظني بما رأيت، قال: مات عمر بن عبد العزيز وخلف أحد عشر ابنا، فبلغت تركته سبعة عشر دينارا، كفن منها بخمسة دنانير، واشتري له موضع القبر بدينارين، وأصاب كل واحد من أولاده تسعة عشر درهما. ومات هشام بن عبد الملك، وخلف أحد عشر ابنا، فورث كل واحد منهم ألف ألف درهم، ثم إني رأيت رجلا من أولاد عمر بن عبد العزيز حمل في يوم واحد على مائة فرس في سبيل الله تعالى. ورأيت رجلا من أولاد هشام يسأل أن يتصدق عليه انتهى. قلت: وهذا أمر غير عجيب فإن عمر وكلهم إلى ربه فكفاهم وأغناهم، وهشام وكلهم إلى دنياهم فأفقرهم مولاهم.
وأما بيع زرق الحمام، وسرجين البهائم المأكولة وغيرها، فباطل وثمنه حرام، هذا مذهبنا. وقال أبو حنيفة: يجوز بيع السرجين لإتفاق أهل الأعصار، في جميع الأمصار، على بيعه من غير إنكار، ولأنه يجوز الانتفاع به فجاز بيعه كسائر الأشياء. واحتج أصحابنا بحديث ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إن الله تعالى إذا حرم على قوم شيئا، حرم عليهم ثمنه» . وهو حديث صحيح، رواه أبو داود بإسناد صحيح. وهو عام إلا ما خرج بدليل، كالحمار وبأنه نجس العين فلم يجز بيعه. كالعذرة فإنهم وافقونا على بطلان بيعها، مع أنه ينتفع بها. وأما الجواب عما احتجوا به، فهو ما أجاب به الماوردي وغيره، أن بيعه إنما يفعله الجهلة والأراذل فلا يكون ذلك حجة في دين الإسلام. وأما قولهم: إنه ينتفع به فأشبه غيره، فالفرق أن هذا نجس بخلاف غيره.
[الأمثال:]
قالوا:«آمن من حمام الحرم، وآلف من حمام «٢» مكة» . وقالوا:«تقلدها طوق الحمامة»«٣» ، كناية عن الخصلة القبيحة، أي تقلدها كطوق الحمامة، لأنه لا يزايلها ولا يفارقها، كما لا يفارق الطوق الحمامة، ومثله قوله تعالى: وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ
«٤» . أي إن عمله لازم له لزوم القلادة أو الغل لا ينفك عنه. وقال الزمخشري: فإن قلت: لم ذكر حسيبا؟
قلت: لأنه بمنزلة الشاهد والقاضي والأمين، لأن هذه الأمور الغالب أن يتولاها الرجال، فكأنه