مقتولا في بلدة، مات ملكها، أو يقتل رجل مذكور. ومن قتل فيلا قهر رجلا أعجميا، ومن ألقاه الفيل تحته ولم يفارقه، فإنه يموت، وإذا رؤي الفيل في غير بلاد النوبة، فإنه يدل على فتنة، وذلك لقبح لونه وسماجته. وإن رؤي في البلاد التي يوجد فيها فهو رجل من أشراف الناس. والمرأة إذا رأت الفيل فلا يحمد لها ذلك، على أي صفة رأته. وتعبر الفيلة بالسنين كالبقر، وخروج الفيل من بلد فيه طاعون دليل خير لهم وزوال الطاعون عنهم، وإذا ركب الفيل في بلد فيه بحيرة فهو ركوب سفينة، والله تعالى أعلم.
[فصل في فضل العقل وزينه، وقبح الجهل وشينه:]
قال بعض الحكماء: العقل ما عقل به عن السيئات، وحض القلب على الحسنات، والعقل معقل عن الدنيات، ونجاة من المهلكات، والنظر في العواقب قبل حلول المصائب، والوقوف عند مقادير الأشياء، قولا وفعلا، لقوله «١» صلى الله عليه وسلم: «أعقلها وتوكل» . وقد أجمع الحكماء والعلماء والفقهاء، أن جميع الأمور كلها، قليلها وجليلها، محتاجة إلى العقل، والعقل محتاج إلى التجربة، وقالوا: العقل سلطان وله جنود، فرأس جنوده التجربة، ثم التمييز ثم الفكر ثم الفهم ثم الحفظ ثم سرور الروح، لأن به ثبات الجسم والروح سراج نوره العقل.
وفي الحديث:«ما قسم الله لعباده خيرا من العقل» وروي أن جبريل عليه الصلاة والسلام، أتى آدم عليه السلام فقال: إني أتيتك بثلاث: فاختر واحدة منها، فقال: وما هي؟
فقال: الحياء والعقل والدين. فقال آدم عليه السلام: قد اخترت العقل. فخرج جبريل عليه الصلاة والسلام إلى الحياء والدين، فقال: ارجعا فقد اختار العقل عليكما. فقالا: إنا أمرنا أن نكون مع العقل حيث كان. وقال بعضهم: من استرشد إلى طريق الحزم بغير دليل العقل فقد أخطأ منهاج الصواب. والعقل مصباح يكشف به عن الجهالة، ويبصر به الفضل من الضلالة، ولو صور العقل لأظلمت معه الشمس، ولو صور الجهل لأضاء معه الليل، وما شيء أحسن من عقل زانه أدب، ومن علم زانه ورع، ومن حلم زانه رفق، ومن رفق زانه تقوى.
وروي أن جبريل عليه الصلاة والسلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد أتيتك بمكارم الأخلاق كلها في الدنيا والآخرة. فقال:«وما هي» ؟ فقال «٢» : خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ
، وهو يا محمد عفوك عمن ظلمك، واعطاء من حرمك، وصلة من قطعك، وإحسانك إلى من أساء إليك، واستغفارك لمن اغتابك، ونصحك لمن غشك، وحلمك عمن أغضبك. فهذه الخصال قد تضمنت مكارم الأخلاق، في الدنيا والآخرة. وأنشد بعضهم في معنى ذلك فقال:
خذ العفو وأمر بعرف كما ... أمرت وأعرض عن الجاهلين
ولن في الكلام لكلّ الأنام ... فمستحسن من ذوي الجاه لين «٣»