وأحمق بيت قالته العرب، قول «١» القائل، وهو الأعشى أبو محجن الثقفي:
إذا متّ فادفني إلى جنب كرمة ... تروي عظامي بعد موتي عروقها
ولا تدفنني في الفلاة فإنني ... أخاف إذا ما متّ أن لا أذوقها
وروى في حديث معاوية رضي الله تعالى عنه، أنه قال لابن أبي محجن الثقفي: أبوك الذي يقول:
إذا متّ فادفني، البيتين فقال «٢» : أبي الذي يقول:
وقد أجود وما مالي بذي قنع ... وأكتم السرّ فيه ضربة العنق
وأغزل بيت قالته العرب قول «٣» جرير:
إنّ العيون التي في طرفها حور ... قتلننا ثم لم تحيين قتلانا
يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به ... وهنّ أضعف خلق الله إنسانا
[فائدة]
: روى الطبراني في الدعوات، من حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تسبوا الدنيا فنعمت مطية المؤمن، عليها يبلغ الجنة وبها ينجو من النار» . وقال علي رضي الله تعالى عنه: لا تسبوا الدنيا ففيها تصلون، وفيها تصومون، وفيها تعملون، فإن قيل: كيف يجمع بين هذا، وبين قوله «٤» صلى الله عليه وسلم: «الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالما أو متعلما» . فالجواب ما قاله شيخ الإسلام عز الدين بن عبد السلام، في آخر الفتاوى الموصيلة: إن الدنيا التي لعنت هي المحرمة التي أخذت بغير حقها أو صرفت إلى غير مستحقها.
وقد تقدم في باب الباء الموحدة في ذكر البعوض، ما قاله الشيخ أبو العباس القرطبي في ذلك وهو حسن فراجعه.
وفي الحديث «٥» : «بئس مطية الرجل زعموا» شبه ما يقدمه المتكلم أمام كلامه، ويتوصل به إلى غرضه من قوله: زعموا كذا وكذا بالمطية التي يتوصل بها إلى الحاجة، وإنما يقال زعموا في حديث لا سند له ولا ثبت فيه. وإنما يحكى على الألسن على سبيل البلاغ، فذم من الحديث ما هذا سبيله.
وفي الكشاف وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «زعموا مطية الكذب» . وقال ابن عمر وشريح: لكل شيء كنية، وكنية الكذب زعموا. قال ابن عطية: ولا يوجد زعم مستعملة في فصيح الكلام، إلا عبارة عن الكذب، أو قول انفرد به قائله، وتبقى عهدته على الزاعم، ففي ذلك ما ينحو إلى تضعيف الزعم، وقول سيبويه زعم الخليل كذا إنما يجيء فيما تفرد الخليل به.
[تتمة]
: قال شيخ الإسلام النووي: روينا بالإسناد الصحيح، في جامع الترمذي وغيره، عن