وكان أفضل من بقي من الصحابة رضي الله تعالى عنه، ومناقبه كثيرة جدا جمعها الحافظ أبو عبد الله الذهبي في مجلد. وذكر غير واحد أنه رضي الله تعالى عنه، لما ضربه ابن ملجم، قاتله الله أوصى الحسن والحسين وصية طويلة، وفي آخرها يا بني عبد المطلب، لا تخوضوا دماء المسلمين خوضا تقولون: قتل أمير المؤمنين ألا لا يقتلن بي غير قاتلي، اضربوه ضربة بضربة ولا تمثلوا به، فإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول «١» : «إياكم والمثلة» . ولما مات علي رضي الله تعالى عنه، قتل الحسن رضي الله تعالى عنه، عبد الرحمن بن ملجم، فقطع يديه ورجليه وكحل عينيه بمسمار محمى في النار، كل ذلك ولم يتأوه ولم يجزع فلما أرادوا قطع لسانه، تأوه وجزع، فسئل عن ذلك. فقال: والله ما اتأوه فزعا ولا جزعا من الموت، وإنما أتأوه لأن تمر عليّ ساعة من ساعات الدنيا لا أذكر الله تعالى فيها فقطعوا لسانه فمات بعد ذلك وفي الحديث:«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي رضي الله تعالى عنه: يا علي أتدري من أشقى الأولين؟ قال: الله ورسوله أعلم. قال عاقر ناقة صالح، ثم قال: أتدري من أشقى الآخرين؟ قال: الله ورسوله أعلم. قال: الذي يضربك على هذا فيبل منها هذه، وأخذ بلحيته» وكان علي رضي الله تعالى عنه يقول: والله لوددت لو انبعث أشقاها فضربه ابن ملجم الخارجي قاتله الله كما تقدم. وكانت وفاته رضي الله تعالى عنه في سن سبع وقبل ثمان وخمسين وقيل ثلاث وقيل ثمان وستين. وقال ابن جرير الطبري: مات علي رضي الله تعالى عنه، وعمره خمس وستون سنة. وقال غيره: ثلاث وستون سنة وكانت خلافته أربع سنين وتسعة أشهر ويوما واحدا وكانت مدة إقامته رضي الله تعالى عنه بالمدينة أربعة أشهر ثم سار إلى العراق، وقتل بالكوفة كما تقدم، وللناس خلاف في مدة عمره وفي قدر خلافته رضي الله تعالى عنه والله أعلم.
[خلافة أمير المؤمنين الحسن بن علي رضي الله تعالى عنه]
وهو السادس فخلع كما سيأتي. قالوا: ثم قام بالأمر بعده أمير المؤمنين الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه. وكنيته أبو محمد ولقبه الزكي، وأمه فاطمة الزهراء رضي الله تعالى عنهما.
بويع له بالخلافة بعد وفاة والده ثم سار إلى المدائن، واستقربها وبينما هو بالمدائن إذ نادى مناد: إن قيسا قد قتل، فانفروا وكان الحسن رضي الله تعالى عنه قد جعله على مقدمة الجيش، وهو قيس بن سعد بن عبادة رضي الله تعالى عنهما، فلما خرج الحسن رضي الله تعالى عنه، عدا عليه الجراح الأسدي قاتله الله، وهو يسير معه فوجأه بالخنجر في فخذه ليقتله، فقال الحسن رضي الله تعالى عنه: قتلتم أبي بالأمس ووثبتم علي اليوم تريدون قتلي زهدا في العادلين، ورغبة في القاسطين، والله لتعلمن نبأه بعد حين، ثم كتب إلى معاوية رضي الله تعالى عنهما بتسليم الأمر إليه واشترط عليه شروطا، فأجابه معاوية رضي الله تعالى عنه، إلى ما التمسه منه وصير له ما اشترط عليه، فسلم الأمر إلى معاوية وبايع له لخمس بقين من شهر ربيع الأول، وذلك لأنه رأى المصلحة في