وكان بين شرف الدين بن عنين «١» والملك المعظم عيسى ابن الملك العادل أبي بكر بن أيوب صاحب دمشق مؤانسة ومصاحبة، وكان يجري بينهما أمور تدل على حسن إدراك الملك المعظم منها أن ابن عنين حصل له توعك فكتب إليه:
انظر إلي بعين مولى لم يزل ... يولي الندى وتلاف قبل تلافي «٢»
أنا كالذي أحتاج ما يحتاجه ... فاغنم ثنائي والثواب الوافي «٣»
فجاء إليه بنفسه ومعه ثلاثمائة دينار، فقال: هذه الصلة وأنا العائد، وهذه لو وقعت من أكابر النحاة لاستعظمت منه، فضلا عن ملك. قوله هذه الصلة أنا العائد، لأن الذي اسم موصول يحتاج إلى صلة وعائد فالصلة ما وصله به من المال، والعائد يحتمل معنيين: أحدهما: وأنا العائد لك بالصلة مرة بعد أخرى فطب نفسا، والآخر من عاد يعود عيادة وهي عيادة المريض.
وكان الملك المعظم فاضلا حازما شجاعا حنفي المذهب وكانت له رغبة في فن الأدب حتى إنه شرط لكل من حفظ مفصل الزمخشري مائة دينار وخلعة. فحفظه خلق كثير لهذا السبب. توفي سنة أربع وعشرين وستمائة وتوفي الإمام فخر الدين الرازي المتقدم ذكره يوم عيد الفطر سنة ست وستمائة بهراة رحمهما الله تعالى.
[فائدة:]
قال بعض الحكماء: كل إنسان مع شكله كما أن كل طير مع جنسه، وكان مالك بن دينار يقول: لا يتفق إثنان في عشرة إلا وفي أحدهما وصف من الآخر، فإن أشكال الناس كأجناس الطير، ولا يتفق نوعان منه في طيران إلا لمناسبة بينهما، فرأى يوما حمامة مع غراب، فعجب من اتفاقهما وليسا من شكل واحد فلما مشيا إذا هما أعرجان، فقال: من ههنا اتفقا. وكل إنسان يأنس إلى شكله، كما أن كل طير يأنس إلى جنسه، فإذا اصطحب اثنان برهة من الزمان وليس بينهما مناسبة ما، فلا بد أن يتفرقا كما قال بعض الشعراء:
وقائل كيف تفرقتما ... فقلت قولا فيه إنصاف
لم يك من شكلي ففارقته ... والناس أشكال وألاف
وسيأتي عنه في الصعوة شيء من هذا. روى أحمد في الزهد عن يزيد بن ميسرة أن المسيح عليه الصلاة والسلام كان يقول لأصحابه: إن استطعتم أن تكونوا بلها في الله تعالى مثل الحمام فافعلوا قال: وكان يقال إنه ليس شيء أبله من الحمام وذلك أنك تأخذ فراخه من تحته فتذبحها، ثم يعود إلى مكانه ذلك فيفرخ فيه.
[الحكم:]
يحل أكله بالإجماع بجميع أنواعه لأنه من الطيبات، ولأن الشارع أوجب فيه على المحرم، إذا قتله، شاة. وفي مستند ذلك وجهان: أحدهما أن ذلك لما بينهما من الشبه، فإن كلا