يوما، وهي تبيض سبعين بيضة وأكثر، وبيضها يشبه بيض الحمام.
والضب يخرج من جحره كليل البصر فيجلوه بالتحدق للشمس، ويغتذي بالنسيم ويعيش ببرد الهواء، وذلك عند الهرم، وفناء الرطوبات، ونقص الحرارات، وبينه وبين العقارب مودة، فلذلك يؤويها في جحره لتلسع المتحرش به إذا أدخل يده لأخذه، ولا يتخذ جحره إلا في كدية جحر، خوفا من السيل والحافر، ولذلك توجد براثنه ناقصة كليلة لحفره بها في الأماكن الصلبة، وفي طبعه النسيان وعدم الهداية وبه يضرب المثل في الحيرة ولذلك لا يحفر جحره إلا عند أكمة أو صخرة لئلا يضل عنه، إذا خرج لطلب المطعم، ويوصف بالعقوق لأنه يأكل حسوله فلا ينجو منها إلا ما هرب، وأشار إلى ذلك الشاعر بقوله «١» :
أكلت بنيك أكل الضب حتى ... تركت بنيك ليس لهم عديد
وهو طويل العمر، ومن هذه الجهات يناسب الحيات والأفاعي. ومن طبعه أنه يرجع في قيئه كالكلب، ويأكل رجيعه. وهو طويل الدم بعد الذبح وهشم الرأس، يقال إنه يمكث بعد الذبح ليلة ويلقى في النار فيتحرك. ومن شأنه في الشتاء أن لا يخرج من جحره، وقد أشار إلى ذلك أمية بن أبي الصلت «٢» لما جاء إلى عبد الله بن جدعان «٣» يطلب نائله بقوله:
أأذكر حاجتي أم قد كفاني ... حياؤك إنّ شيمتك الوفاء
إذا أثنى عليك المرء يوما ... كفاه من تعرضه الثناء
كريم لا يغيره صباح ... عن الخلق الجميل ولا مساء
يباري الريح تكرمة ومجدا ... إذا ما الضبّ أجحره الشتاء
فأرضك كلّ مكرمة بناها ... بنو تيم وأنت لها سماء
[فائدة]
: روى الدارقطني والبيهقي، وشيخه الحاكم وشيخه ابن عدي، عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في محفل من أصحابه، إذ جاء أعرابي من بني سليم قد صاد ضبا وجعله في كمه ليذهب به إلى رحله، فرأى جماعة محتفين بالنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: على من هؤلاء الجماعة؟ فقالوا: على هذا الذي يزعم أنه نبي. فأتاه فقال: يا محمد ما اشتملت النساء على ذي لهجة أكذب منك، فلولا أن تسميني العرب عجولا لقتلتك وسررت الناس بقتلك أجمعين! فقال عمر رضي الله تعالى عنه: يا رسول الله دعني أقتله. فقال صلى الله عليه وسلم:«لا أما علمت أن الحليم كاد أن يكون نبيا» . ثم أقبل الأعرابي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: واللات والعزى لا آمنت بك حتى يؤمن هذا الضب! وأخرج الضب من كمه وطرحه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إن آمن بك آمنت بك! فقال صلى الله عليه وسلم: «يا ضب» ، فكلمه الضب بلسان طليق فصيح، عربي مبين صريح، يفهمه القوم جميعا: لبيك وسعديك يا رسول رب العالمين! فقال صلى الله عليه وسلم «من تعبد» قال: الذي في السماء عرشه، وفي الأرض سلطانه، وفي البحر سبيله، وفي الجنة رحمته، وفي النار عذابه. فقال صلى الله عليه وسلم:«فمن أنا يا ضب» ؟