للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مالح فشربه فسقط ميتا. وذلك في رجب سنة خمس وخمسين ومائتين، وكان عمره ثلاثا وعشرين سنة وخلافته أربع سنين وستة أشهر وكان بديع الحسن رحمه الله تعالى.

[خلافة جعفر المهتدي بالله بن هارون]

ثم قام بالأمر بعده ابن عمه، جعفر بن هارون المعتصم. ورأيت في غير هذا الموضع أن المهتدي إسمه محمد بأبي إسحاق. بويع له بالخلافة يوم خلع ابن عمه المعتز بالله ولما ولي أخرج الملاهي وحرم سماع الغناء والشراب، وأمر بنفي المغنيات وطرد الكلاب، والسباع وألزم نفسه الإشراف على الدواوين، والجلوس للناس، وإزالة المظالم، وتغيير المنكرات. وقال: إني أستحيى من الله أن لا يكون في بني العباس مثل عمر بن عبد العزيز في بني أمية. فتبرم به بابك التركي، وكان ظلوما غشوما، فأمر المهتدي بقتله، ولما قتل هاجت الأتراك، ووقعت الحرب بينهم وبين المغاربة، فقتل من الفريقين أربعة آلاف، وخرج المهتدي والمصحف في عنقه، وهو يدعو الناس إلى نصرته، والمغاربة معه وبعض العامة، فحمل عليهم طيبغا أخو بابك فهزمهم. ومضى المهتدي مهزما، والسيف في يده، وقد جرح جرحين، حتى دخل دار محمد «١» بن يزداد، فتجمعت الأتراك وهجموا عليه وأخذوه أسيرا. وحمله أحمد بن خاقان على دابة وأردف خلفه سائسا بيده خنجر، فأدخل إلى دار أحمد بن خاقان، وجعلوا يصفعونه ويقولون اخلعها، فأبى عليهم فسلم إلى رجل، فوطىء مذاكيره حتى قتله، وذلك في رجب سنة ست وخمسين ومائتين، وهو ابن سبع وثلاثين سنة، وكانت خلافته أحد عشر شهرا، رحمة الله تعالى عليه، وقيل سنة.

وكان أسمر مليح الصورة دينا ورعا عابدا عاد لا حازما شجاعا خليقا للإمارة، لكنه لم يجد ناصرا. يقال: إنه كان يسرد الصوم، وربما كان فطوره في بعض الليالي، على خبز وخل وزيت، وقد كان سد باب اللهو والطرب والغناء، وحسم الأمراء عن الظلم وكان يجلس لحساب الدواوين بنفسه.

ومما يحكى: من محاسنه، ما ذكره الحافظ أبو بكر محمد بن الحسين بن عبد الله البغدادي، في كتابه قال: إن أبا الفضل صالح بن علي بن يعقوب بن المنصور الهاشمي، وكان من وجوه بني هاشم، وأهل الخلافة والسبق منهم، قال: حضرت المهتدي بالله أمير المؤمنين، وقد جلس ينظر في أمور الناس، في دار العامة، فنظرت إلى قصص الناس تقرأ عليه، من أوّلها إلى آخرها، فيأمر بالتوقيع فيها، وإنشاء الكتب لأصحابها، فتختم وتدفع إلى أصحابها بين يديه. فسرني ذلك وجعلت أنظر إليه، ففطن لي ونظر إلي، فغضضت عنه حتى كان ذلك مني ومنه مرارا إذا نظر إلي غضضت، وإذا اشتغل عني نظرت. فقال: يا صالح قلت: لبيك يا أمير المؤمنين، وقمت قائما فقال: أفي نفسك مني شيء تحب أن تقوله؟ فقلت: نعم يا سيدي. فقال لي: عد إلى موضعك، فعدت وعاد في النظر حتى قام وقال للحاجب: لا يبرح صالح فانصرف الناس. ثم أذن لي وقد أهمتني نفسي، فقمت فدخلت ودعوت له، فقال لي: اجلس فجلست، فقال: يا صالح تقول ما

<<  <  ج: ص:  >  >>