قالت فكم أعييتنا حجة ... تجي بها كاملة بهجة
فيا لها بين الورى خجلة ... إن كنت ما تمهلنا ساعة
فائت إذا ما هجّع الساهر ... واسقط علينا كسقوط الندى
إياك أن تظهر حرف الندا ... يستيقظ الواشي ويأتي الردى
وكن كضيف الطيف مسترصدا ... ساعة لا ناه ولا آمر
حاججتها عشرا وصافحتها ... على دنان الخمر صافيتها «١»
رامت مواثيقا فوافيتها ... ملتحفا سيفي ولاقيتها
آخر ليلى والدجى عاكر ... يا ليلة قضيتها خلوة
مرتشفا من ريقها قهوة ... تكر من قد يبتغي سكرة
ظننتها من طيبها لحظة ... يا ليت لا كان لها آخر
فلما أنشد ذلك أبو نواس بحضرة الخليفة، أعجبه ذلك وأمر له بالجائزة العظمى، ووفى بما عهد.
ثم إن المستعين أشهد على نفسه أنه قد خلعها من الخلافة، وأنه قد أحل الناس من بيعته بشروط، وخطب للمعتز بن المتوكل.
فنقل المستعين إلى قصر الحسن بن وهب فاعتقل به تسعة أشهر، ووكل به من يحفظه ثم أحضر به إلى واسط ودس عليه المعتز، سعيدا الحاجب فقتله صبرا في أوّل شهر رمضان سنة إثنتين وخمسين ومائتين وجيء برأسه إلى المعتز، وهو يلعب الشطرنج، فقيل له: هذا رأس المخلوع، فقال: دعوه هناك حتى أفرغ من اللعب. فلما فرغ أحضره ونظره، ثم أمر بدفنه. وكانت خلافته سنتين وتسعة أشهر، وعمره إحدى وثلاثون سنة وكان مربوعا مليح الوجه به أثر جدري، وكان ألثغ يجعل السين ثاء وكان كريما مبذرا للأموال رحمه الله تعالى.
[خلافة أبي عبد الله محمد المعتز بالله بن المتوكل]
ثم قام بالأمر بعده ابن عمه محمد المعتز بن المتوكل. بويع له بالخلافة لما خلع المستعين نفسه، في أوّل سنة إثنتين وخمسين ومائتين، ثم دبر عليه صالح بن وصيف حاجبه، فجاء إليه ومعه جماعة، وبعثوا إليه أن أخرج، فاعتذر بأنه تناول دواء، فأمر صالح أن يدخل إليه بعضهم، فدخلوا وجروا برجله إلى باب الحجرة، فأقيم في الشمس الحارة، فصار يرفع قدما ويضع أخرى، وهم يلطمونه ويقولون له: اخلعها وهو يتقي بيديه ويأبى، ثم أجابهم وخلع نفسه. فتسلمه صالح بن وصيف، ومنعه من الطعام والشراب ثلاثة أيام، ثم أنزله إلى سرداب مجصص وأطبقه عليه حتى مات. ثم أخرجه وأشهد عليه أنه لا أثر به. وقيل: إنه بعد خلعه بخمسة أيام أدخله الحمام، ومنعه الماء حتى عاين التلف، ثم أتوه بماء