الغوث بمكة، وقال رفيقاه ما قالا فقال: أما أنا فذاهب على قدم الزيارة والتبرك، لا على قدم الإنكار والامتحان، فآل أمره إلى أن قال: قدمي هذا على رقبة كل ولي، وآل أمر أحد رفيقيه إلى الكفر، وترك الإيمان بالانتقاد، وترك الاعتقاد. كما اتفق في هذه الحكاية. وآل أمره الآخر إلى اشتغاله بالدنيا، وتركه خدمة المولى لقلة التوفيق. فنسأل الله التوفيق والهداية والأمانة على الإيمان به وبرسوله، والاعتقاد الحسن في أوليائه وأصفيائه، بمحمد وآله. حدث يحيى بن معاذ أن أبا جعفر المنصور كان جالسا، فألح على وجهه ذباب حتى أضجره، فقال: انظروا من بالباب، فقالوا: مقاتل بن سليمان فقال: علي به، فلما دخل عليه، قال له: هل تعلم لماذا خلق الله الذباب؟ قال: نعم. ليذل به الجبابرة، فسكت المنصور. ومقاتل بن سليمان مشهور بتفسير كتاب الله العزيز، وأخذ الحديث عن جماعة، قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: الناس كلهم عيال على ثلاثة: على مقاتل بن سليمان في التفسير، وعلى زهير بن أبي سلمى في الشعر، وعلى أبي حنيفة في الفقه. قعد مقاتل بن سليمان يوما فقال: سلوني عما دون العرش. فقال له رجل: آدم عليه الصلاة والسلام لما حج أول حجة حجها من حلق رأسه، فقال ليس هذا من علمكم ولكني ابتليت لما اعجبتني نفسي. وقيل إنه قيل له الذرة أو النملة أمعاؤها في مقدمها أو مؤخرها؟ فلم يدر ما يقول فكانت عقوبة عوقب بها وأنشد أبو عمرو بن العلاء في هذا المعنى «١» :
من تحلّى بغير ما هو فيه ... فضحته شواهد الامتحان
والعلماء مختلفون فيه، فمنهم من وثقه ومنهم من كذبه، وترك حديثه. قيل: إنه كان يتكلم في الصفات بما لا تحل الرواية عنه. وقيل: إنه كان يأخذ عن اليهود والنصارى علم القرآن الذي يوافق كتبهم، وكان مشبها. قال ابن خلكان وغيره: وهذا لا أعتقد صحته. وتوفي مقاتل بن سليمان في سنة خمس وخمسين ومائة وفي مناقب الإمام الشافعي أن المأمون سأله فقال: لاي شيء خلق الله الذباب؟ فقال: مذلة للملوك. فضحك المأمون وقال: رأيته وقد وقع على جسدي فقال: نعم. ولقد سألتني عنه وما عندي جواب. فلما رأيته قد سقط منك بموضع لا يناله منك أحد فتح الله لي فيه بالجواب. فقال لله درك. وفي شفاء الصدور وتاريخ ابن النجار مسندا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يقع على جسده ولا ثيابه ذباب أصلا.
[الحكم:]
كل أنواعه يحرم أكلها، وفيه وجه أنه يحل حكاه الرافعي. وقال الماوردي: ومن الفقهاء من أباح الذباب المتولد من مأكول كالفول ونحوه، ولعل قائل هذا القول هو الذي يقول بإباحة المتولد من الفواكه.
[فرع:]
قال في الأحياء في أول كتاب الحلال والحرام: لو وقعت ذبابة أو نملة في قدر طبيخ وتهرت أجزاؤها لم يحرم أكل ذلك الطبيخ، لأن تحريم أكل الذباب والنمل ونحوهما إنما كان للاستقذار ولا يعد هذا مستقذرا. قال: ولو وقع فيه جزء من لحم آدمي ميت، لم يحل أكل ذلك الطبيخ، حتى لو كان لحم الآدمي وزن دانق، حرم الطبيخ لا لنجاسته فإن الآدمي الميت