وذكر الزمخشري وغيره أن بني إسرائيل، كانوا طلبوا البقرة الموصوفة أربعين سنة. وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«لو اعترضوا أي بقرة كانت فذبحوها لكفتهم ولكنهم شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم والاستقصاء شؤم» .
وعن بعض الخلفاء، أنه كتب إلى عامله، أن يذهب إلى قوم، فيقطع أشجارهم، ويهدم دورهم، فكتب إليه: بأيهما أبدأ؟ فقال: إن قلت لك بقطع الشجر، سألتني بأي نوع منها أبدأ.
وعن عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى أنه كتب إلى عامله قال: إذا أمرتك أن تعطي فلانا شاة، سألتني أضأن أم معز؟ فإن بينت لك، قلت: أذكر أم أنثى؟ فإن أخبرتك قلت: أسوداء أم بيضاء؟ فإذا أمرتك بشيء فلا تراجعني فيه.
[تتمة]
: فيما يتعلق بهذه الفائدة من الأحكام، إذا وجد قتيل في مكان، ولم يعرف قاتله، فإن كان ثم لوث على إنسان، واللوث ما يغلب على القلب صدق المدعي، بأن اجتمع جماعة في بيت أو صحراء، ثم تفرقوا عن قتيل، يغلب على الظن أن القاتل منهم، أو وجد قتيل في محلة أو قرية كلهم أعداء القتيل، لا يخالطهم غيرهم، فيغلب على القلب أنهم قتلوه وادعى الولي فيحلف المدعي خمسين يمينا، على من يدعي عليه، فإن كان الأولياء جماعة، توزع الأيمان عليهم، ثم بعد الأيمان تؤخذ الدية من عاقلة المدعى عليه، إن ادعى عليه قتل خطأ. وإن ادعى عليه قتل عمد، فمن ماله، ولا قود على قول الأكثرين.
وقال عمر بن عبد العزيز: يجب القود، وبه قال مالك وأحمد. وإن لم يكن ثم لوث، فالقول قول المدعى عليه مع يمينه، وهل يحلف يمينا واحدة أم خمسين يمينا؟ قولان أحدهما يمينا واحدة كما في سائر الدعاوى، والثاني خمسين يمينا تغليظا لأمر الدم. وعند أبي حنيفة لا حكم للوث، ولا يبتدأ بيمين المدعي، بل إذا وجد قتيل في محلة أو قرية، يختار الإمام خمسين رجلا من صلحاء أهلها ويحلفهم أنهم ما قتلوه ولا يعرفون له قاتلا، ثم يأخذ الدية من سكانها. والدليل على البداءة بيمين المدعي، عند وجود اللوث، ما روى الشافعي عن سهل بن أبي خيثمة، أن عبد الله بن سهل ومحيصة بن مسعود خرجا لخيبر فتفرقا لحاجتهما، فقتل عبد الله بن سهل، فانطلق محيصة بن مسعود وعبد الرحمن أخو القتيل، وحويصة بن مسعود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له قتل عبد الله بن سهل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«تحلفون خمسين يمينا وتستحقون دم صاحبكم»«١» فقالوا: يا رسول الله وكيف نقبل أيمان قوم كفار؟ فزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم عقله من عنده.
قال البغوي، في معالم التنزيل: وجه الدليل من الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ بأيمان المدعين لقوة جانبهم باللوث، وهو أن عبد الله بن سهل وجد قتيلا في خيبر، وكانت العداوة ظاهرة بين الأنصار وبين أهل خيبر، وكان يغلب على الظن أنهم قتلوه. واليمين أبدا تكون حجة لمن يقوي جانبه،