الغراب كله الاستتار عند السفاد، وهو يسفد مواجهة، ولا يعود إلى الأنثى بعد ذلك لقلة وفائه.
والأنثى تبيض أربع بيضات وخمسا، وإذا خرجت الفراخ من البيض طردتها، لأنها تخرج قبيحة المنظر جدا، إذ تكون صغار الأجرام كبيرة الرؤوس والمناقير، جرداء اللون، متفاوتة الأعضاء، فالأبوان ينظران الفرخ كذلك فيتركانه، فيجعل الله قوته في الذباب والبعوض الكائن في عشه إلى أن يقوى وينبت ريشه، فيعود إليه أبواه. وعلى الأنثى أن تحضن وعلى الذكر أن يأتيها بالمطعم.
وفي طبعه أنه لا يتعاطى الصيد، بل إن وجد جيفة، أكل منها وإلا مات جوعا، ويتقمقم كما يتقمقم ضعاف الطير، وفيه حذر شديد وتنافر. والغداف يقاتل البوم ويخطف بيضها ويأكله، ومن عجيب أمره أن الإنسان إذا أراد أن يأخذ فراخه، يحمل الذكر والأنثى في أرجلهما حجارة، ويتحلقان الجو ويطرحان الحجارة عليه يريدان بذلك دفعه.
قال الجاحظ: قال صاحب منطق الطير: الغراب من لئام الطير، وليس من كرامها، ولا من أحرارها ومن شأنه أكل الجيف والقمامات، وهو إما حالك السواد شديد الاحتراق، ويكون مثله في الناس الزنج فإنهم شرار الخلق تركيبا ومزاجا، كمن بردت بلاده ولم تنضجه الأرحام، أو ثخنت بلاده فأحرقته الأرحام، وإنما صارت عقول أهل بابل فوق العقول، وكمالهم فوق الكمال، لأجل ما فيها من الاعتدال. فالغراب الشديد السواد، ليس له معرفة ولا كمال، والغراب الأبقع كثير المعرفة، وهو الأم من الأسود انتهى. والعرب تتشاءم بالغراب، ولذا اشتقوا من اسمه الغربة والاغتراب والغريب.
[فائدة أجنبية]
: اسم الغربة مجموع من أسماء دالة على محصول اسم الغربة فالغين من غدر وغرور وغيبة وغم وغلة، وهي حرارة الحزن، وغرة وغول وهي كل مهلكة، والراء من رزء وردع وردى وهو الهلاك، والباء من بلوى وبؤس وبرح وهو الداهية، وبوار وهو الهلاك، والهاء من هوان وهول وهم وهلك، قاله محمد بن ظفر، في السلوان. وغراب البين الأبقع. قال الجوهري:
هو الذي فيه سواد وبياض. وقال صاحب المجالسة: سمي غراب البين لأنه بان عن نوح، على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام، لما وجهه لينظر إلى الماء، فذهب ولم يرجع. ولذلك تشاءموا به. وذكر ابن قتيبة أنه سمي فاسقا، فيما أرى، لتخلفه حين أرسله نوح عليه السلام، ليأتيه بخبر الأرض، فترك أمره ووقع على جيفة. قال عنترة:
ظعن الذين فراقهم أتوقع ... وجرى ببينهم الغراب الأبقع
وقال صاحب منطق الطير: الغربان جنس من الأجناس التي أمر بقتلها في الحل والحرام، من الفواسق، اشتق لها ذلك الاسم من اسم إبليس، لما يتعاطاه من الفساد الذي هو شأن إبليس، واشتق ذلك أيضا لكل شيء اشتد أذاه. وأصل الفسق الخروج عن الشيء، وفي الشرع الخروج عن الطاعة انتهى.
قال الجاحظ: غراب البين نوعان، أحدهما غراب صغير معروف باللؤم والضعف، وأما الآخر فإنه ينزل في دور الناس، ويقع على مواضع إقامتهم إذا ارتحلوا عنها، وبانوا منها. قال:
وكل غراب غراب البين، إذا أرادوا به الشؤم لا غراب البين نفسه الذي هو غراب صغير أبقع.