وكان ولد بعد موت أبيه ذخيرة الدين، بستة أشهر وعمرت بغداد في أيامه، وخطب له بالحجاز واليمن والشام.
حكي: أن المقتدي قدم إليه يوما طعام، فتناول منه وغسل يديه، وهو على أكمل حال وأحسن هيئة في نفسه وجسمه، وبين يديه قهرمانته شمس، فقال لها: ما هذه الأشخاص الذين دخلوا بغير إذن؟ فالتفتت فلم تر أحدا، ثم نظرت إليه فرأته قد تغير وجهه، واسترخت يداه وانحلت قواه وسقط إلى الأرض، فظنت أنه قد غشي عليه، فإذا هو قد مات. فأمسكت نفسها عن البكاء، واستدعت الخادم فاستدعى الوزير أبا منصور، فبكيا وأحضرا أبا العباس أحمد المستظهر بن المقتدي وكان قد عهد إليه أبوه فعزياه وهنآه. وكان عمره ثلاثا وثلاثين سنة.
وكانت خلافته تسع عشرة سنة وأشهرا قيل: هي ثلاثة وقيل: إن عمره كان تسعا وثلاثين سنة وكان موته في المحرم سنة سبع وثمانين وأربعمائة ويقال: إن جاريته سمته، وقد كان السلطان صمم على إخراجه من بغداد إلى البصرة وكانت حرمته وافرة بخلاف من كان قبله من الخلفاء رحمه الله تعالى.
[خلافة المستظهر بالله أبي العباس أحمد]
ثم قام بالأمر بعده، ابنه المستظهر بالله أبو العباس أحمد. بويع له بالخلافة يوم موت أبيه بعهد منه. وكان مولده في سنة سبعين وأربعمائة، وكان المستظهر كريم الأخلاق سخي النفس محبا للعلماء، حافظا للقرآن منكرا للظلم. وكان لين الجانب محبا للخير، جيد الأدب والفضيلة، قوي الكتابة مسارعا في أعمال البر.
توفي لسبع بقين من شهر ربيع الآخر سنة إحدى عشرة وخمسمائة. وله إحدى وأربعون سنة. وقيل اثنتان وأربعون أو ثلاث بعلة التراقي وهي الخوانيق وخلف أولادا عدة، وتوفيت جدته أرجوان بعده بيسير في خلافة ابنه المسترشد وهي سرية محمد الذخيرة. وكانت خلافته أربعا وقيل خمسا وعشرين سنة وثلاثة أشهر رحمه الله تعالى.
[خلافة أبي منصور الفضل المسترشد بالله بن المستظهر]
ثم قام بالأمر بعده، ابنه أبو منصور الفضل المسترشد بالله بن المستظهر بالله، بويع له بالخلافة يوم موت والده بعهد من أبيه، وسنه يومئذ سبع وعشرون سنة. وروي أنه ورد إليه رسل، فجلس لهم في جماعة من أهل بيته، فلما أحضروهم بين يديه، هجم عليهم الفداوية بالسكاكين فقتلوه وقتلوا معه جماعة من أصحابه. يقال إن مسعودا أخا السلطان محمود جهز عليه الفداوية.
وذلك في سابع عشر ذي القعدة سنة تسع وعشرين وخمسمائة. وكانت خلافته سبع عشرة سنة وثمانية شهور وقيل سبعة أو ستة أشهر وعاش أربعا وأربعين سنة، وقيل خمسا وأربعين ولم يل الخلافة بعد المعتضد بالله أشهم منه. وكان بطلا شجاعا مقداما شديد الهيبة ذا رأي وفطنة وهمة عالية ضبط الأمور وأحيا مجد بني العباس وجاهد غير مرة.