من غير تمييز، مع اعتبار حالة اليسار والثروة دون المحتاجين. وأصحاب الضرورات، وحالتي الخصب والرفاهية دون حالتي الجدب والشدة.
وقال بعضهم: المعتبر هنا العرب الذين كانوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن الخطاب كان لهم. وقال ابن عبد البر، في التمهيد: ذكر عبد الرزاق قال: أخبرني رجل من ولد سعيد بن المسيب قال: أخبرني يحيى بن سعيد قال: كنت عند سعيد بن المسيب، فجاءه رجل من غطفان، فسأله عن الورل فقال: لا بأس به، وإن كان معكم منه شيء فاطعمونا منه. قال عبد الرزاق:
والورل يشبه الضب اهـ.
وقد ذكر في كتاب رفع التمويه فيما يرد على التنبيه، ما حاصله أنه فرخ التمساح، وقال:
لأن التمساح يبيض في البر فإذا خرجت فراخه نزل بعضها في البحر، وبقي بعضها في البر فما نزل إلى البحر صار تمساحا، وما بقي في البر صار ورلا. قال: فعلى هذا يكون في حله الوجهان كما في التمساح اهـ.
وهذا الذي قاله لا أعتقد صحته، وذلك لأن الورل ليس على صفات التمساح، لأن جلده يخالف جلده في النعومة وأيضا فإنه لو كان من التمساح لأخذ في الكبر حتى يصير في حجمه، والورل في المقدار لا يزيد على ذراع ونصف أو ذراعين، والتمساح يبلغ عشرة أذرع وأكثر.
[تنبيه مهم]
: إعلم أنه تقدم في هذا الكتاب حيوانات لم تتعرض الأصحاب لها بالحل ولا بالحرمة، وذلك نحو البلنصى والدبل والقرعبلان والقرز والقنفشة والورل وغير ذلك، إلا أنهم أعطوا قواعد كلية عامة وقواعد خاصة، وذلك لما أيسوا من الطمع في حصر أنواع الحيوانات.
فمن قواعدهم الخاصة: تحريم كل ذي ناب من السباع، ومخلب من الطير، وكل ما يقتات من النجاسات والخبائث، وكل ما نهي عن قتله أو أمر بقتله، أو تولد بين مأكول وغيره، وكل نهاش والحشرات بأسرها، إلا الضب واليربوع والقنفذ وابن عرس والدلدل.
ومن قواعدهم الخاصة أيضا تحليل كل ذات طوق ولقاط وطيور الماء كلها، إلا اللقلق كما تقدم. ومن هذه القواعد يؤخذ تحريم الورل لأنه من الحشرات، ولم يستثنوه. وكذا غيره من الحشرات كالخلد والربارب وفأرة البيش والإيل ومما يدل على منع أكل الورل قول الجاحظ وغيره:
إن الورل يقوي على الحيات ويأكلها أكلا ذريعا ويخرجها من جحرها ويسكن فيه قال: وبراثن الورل أقوى من براثن الضب إلا أن الورل يخرج الحية من جحرها، ولا يحفر خوفا منه على براثنه.
ثم المعنى بقولهم ما أمر بقتله لمعنى فيه كالفواسق الخمس أما ما أمر بقتله لمعنى في غيره فلا يحرم، ومن ذلك الدابة المأكولة إذا وطئت فإنه يجب ذبحها ولا يحرم أكلها على الصحيح، وإن ورد الأمر بقتلها لأن ذلك ليس لمعنى فيها، بل هو في غيرها وهو تعبير الزاني وتذكره الفاحشة برؤيتها.
وقد أمر عمر رضي الله تعالى عنه بقتل الديكة لأنهم كانوا يتهارشون بها وأمر بقتل الحمام لأنهم كانوا يلعبون بها، ويؤذون الناس بصعودهم الأسطحة والرمي بالأحجار.