للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

«كان يحب الحلواء، ويشرب العسل» . قال العلماء: المراد بالحلواء هنا كل حلو، وذكر العسل بعدها تنبيها على شرفه ومرتبته ومزيته، وهو من باب ذكر الخاص بعد العام. والحلواء بالمد، وفيه جواز أكل لذيذ الأطعمة والطيبات من الرزق، وأن ذلك لا ينافي الزهد والمراقبة لا سيما إذا حصل ذلك اتفاقا.

وفي تاريخ أصبهان، في ترجمة أحمد بن الحسن، عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أول نعمة ترفع من الأرض العسل» . وكان مالك بن الحارث بن عبد يغوث النخعي الكوفي، المعروف بالأشتر من شيعة أمير المؤمنين علي رضي الله تعالى عنه، وكان تابعيا رئيس قومه، وله بلاء حسن في وقعه اليرموك، وذهبت عينه يومئذ، وكان فيمن شهد حصار عثمان رضي الله تعالى عنه، وشهد وقعة الجمل وصفين. وكان عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه إذا رآه صرف نظره عنه وقال: كفى الله أمة محمد صلى الله عليه وسلم شره. ولاه علي رضي الله تعالى عنه مصر، بعد قيس بن سعد بن عبادة بن دليم، فلما وصل إلى القلزم شرب شربة عسل فمات.

فلما بلغ ذلك عليا رضي الله تعالى عنه، قال: لليدين والفم. وقال عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه، حين بلغه ذلك: إن لله جنودا من العسل. وقيل: إن الذي قال ذلك معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنهما. وهو الذي سمه. وقيل: إن الذي سمه كان عبدا لعثمان رضي الله تعالى عنه. وكانت وفاته في شهر رجب سنة سبع وثلاثين. روى له النسائي حديثين. وفي أخبار الحجاج بن يوسف أنه كتب إلى عامله بفارس: أرسل إلي من عسل خلار من النحل الأبكار، ومن الدستفشار الذي لم تمسه النار. يريد بالأبكار فراخ النحل، لأن عسلها أطيب وأصفى. وخلار موضع بفارس مشهور بجودة العسل والدستفشار كلمة فارسية معناها ما عصرته الأيدي.

[الحكم]

: كره مجاهد قتل النحل، ويحرم أكلها على الأصح، وإن كان عسلها حلالا، كالآدمية لبنها حلال ولحمها حرام. وأباح بعض السلف أكلها كالجرادة، وهو وجه ضعيف في المذهب. ويحرم قتلها، والدليل على الحرمة نهي «١» النبي صلى الله عليه وسلم عن قتلها. وفي الإبانة، في كتاب الحج، يكره قتلها، وما ذكره الفوراني في الإنابة من الكراهة وذكره غيره من التحريم مفرع، على منع الأكل، فإن أبحناه جاز قتله كالجراد، وكان القياس جواز قتل النحل، لأنه من ذوات الإبر، وما فيه من المنفعة يعارض بالضرر، لأنه يصول ويلدغ الآدمي وغيره.

وقد ذكر الرافعي، في كتاب الحج، أنه يجوز قتل الصقر والبازي من الجوارح ونحوها كما تقدم في الكلام عليها، في أماكنها، وعلله بأن المنفعة فيها معارضة بالمضرة، وهو اصطيادها طيور الناس، فجعلوا المضرة التي فيها مبيحة لقتلها، ولم يجعلوا المنفعة التي فيها عاصمة من القتل. إلا أنه صلى الله عليه وسلم «نهى عن قتل النحل» «٢» ، كما تقدم، ولا شيء في قوله صلى الله عليه وسلم إلا طاعة الله بالتسليم لأمره صلى الله عليه وسلم.

وأما بيع النحل، وهو في الكوارة فصحيح إن رؤى جميعه، وإلا فهو بيع غائب، فإن باعها

<<  <  ج: ص:  >  >>