للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال شيخنا اليافعي رحمه الله: ومن المحكي عن سهل رضي الله تعالى عنه أيضا، أن أمير خراسان يعقوب بن الليث أصابته علة أعيت الأطباء، فقيل له: في ولايتك رجل صالح يقال له سهل بن عبد الله ولو استحضرته ليدعو لك رجونا لك العافية فأحضره وسأله الدعاء، فقال:

كيف يستجاب دعائي لك وأنت مقيم على الظلم؟ فنوى يعقوب التوبة والرجوع عن المظالم وحسن السيرة في الرعية وأطلق من في سجنه من المظلومين فقال سهل: اللهم كما أريته ذل المعصية فأره عز الطاعة وفرّج عنه، فنهض كأنما نشط من عقال وعوفي من ساعته، فعرض على سهل مالا جزيلا فأبى قبوله فلما رجع إلى تستر قيل له بأثناء الطريق: لو قبلت المال الذي عرض عليك، وفرقته على الفقراء؟ فنظر إلى الحصباء فإذا هي جواهر، فقال: خذوا ما أردتم. ثم قال:

من أعطى مثل هذا يحتاج إلى مال يعقوب بن الليث؟

ونظير ذلك من قلب الأعيان ما روي عن الشيخ عيسى الهتار وهو بكسر الهاء وتخفيف التاء المثناة فوق، أنه مر على امرأة بغي فقال لها: بعد العشاء آتيك ففرحت بذلك وتزينت، فلما كان بعد العشاء دخل عليها البيت فصلى ركعتين ثم خرج. فقالت: أراك خرجت؟ قال: حصل المقصود، فورد عليها واراد أزعجها عما كانت عليه فخرجت بعد الشيخ، وتابت على يده فزوجها بعض الفقراء. وقال: اعملوا الوليمة عصيدة ولا تشتروا لها إداما ففعلوا ذلك وأحضروه، وحضر الفقراء والشيخ كالمنتظر لشيء يؤتى به فوصل الخبر إلى أمير كان رفيقا لتلك المرأة فأخرج قارورتين مملوأتين خمرا وأرسل بهما إلى الشيخ وأراد بذلك الاستهزاء، وقال للرسول:

قل للشيخ: قد سرني ما سمعت، وبلغني أن ما عندكم إدام، فخذوا هذا فائتدموا به. فلما أقبل الرسول قال له الشيخ: أبطأت. ثم تناول إحداهما فخضها ثم صب منها عسلا مصفى، ثم فعل كذلك بالأخرى وصب منها سمنا عربيا، وقال للرسول: اجلس فكل فأكل فطعم سمنا وعسلا لم ير مثلهما طعما ولونا وريحا. فرجع الرسول وأخبر الأمير بذلك فجاء الأمير فأكل وتحير مما رأى وتاب على يد الشيخ.

ويشبه هذا ما حكي عن بعضهم، أنه قال: بينما أنا أسير في فلاة من الأرض، إذا برجل يدور بشجرة شوك، ويأكل منها رطبا جنيا فسلمت عليه فرد علي السلام، وقال: تقدم فكل، قال: فتقدمت إلى الشجرة، فصرت كلما أخذت منها رطبا عاد شوكا، فتبسم الرجل وقال:

هيهات لو أطعته في الخلوات أطعمك الرطب في الفلوات. وحكاياتهم في مثل هذا كثيرة، وإنما نبهت على قطرة من بحار عميقة، وعلى الجملة فالدنيا تتصور لهم في صورة عجوز تخدمهم كما سيأتي إن شاء الله تعالى قريبا في هذا الباب، والرجوع في ذلك كله إلى أصل يجب الإيمان به، وهو أن الله على كل شيء قدير، وليس الخرق للعوائد بمستحيل في العقل والله التوفيق.

[وحكى]

: عن الشيخ أبي الغيث اليمني رضي الله تعالى عنه، أنه خرج يوما يحتطب فبينما هو يجمع الحطب إذ جاء السبع وافترس حماره، فقال له: وعزة المعبود ما أحمل حطبي إلا على ظهرك، فخضع له السبع فحمل الحطب على ظهره، وساقه إلى البلد، ثم حط عنه وخلّاه. ونقل أن شعوانة رزقت ولدا فربته أحسن تربية، فلما كبر ونشأ قال لها: يا أماه سألتك بالله إلا ما وهبتني لله فقالت له: يا بني أنه لا يصلح أن يهدى للملوك إلا أهل الأدب والتقى وأنت يا ولدي غمر لا

<<  <  ج: ص:  >  >>