تجهيزه، ثم حملته ووضعته فيه ووقفت، فإذا أنا برجل قد نزل من الهواء، فصلينا عليه، ثم وقفنا ننتظر ما يكون من أمره، وإذا الجو قد امتلأ بطيور خضر، فجاء طائر كبير فابتلعه ثم طار، فتعجبت منه! فقال لي ذلك الرجل: لا تعجب من هذا، فإن أرواح الشهداء، في حواصل طيور خضر، ترعى في الجنة، وتأوي إلى قناديل معلقة تحت العرش! قال شيخنا: أولئك شهداء السيوف، وأما شهداء الصفوة، فأجسادهم أرواح، وقد تكلمت على مقام المحبة، في آخر الجزء الثامن من كتابي الجوهر الفريد في نحو خمس كراكيس، فلينظر هناك وبالله التوفيق.
[فروع منثورة]
: منها لو ملك الإنسان طائرا أو صيدا، وأراد إرساله من يده، فوجهان:
أحدهما أنه يجوز ويزول ملكه عنه كما لو أعتق عبدا. واختاره ابن أبي هريرة. والثاني لا يجوز ذلك، واختاره الشيخ أبو اسحاق والقفال والقاضي أبو الطيب، وهو الأصح في الروضة والشرح، ولو فعله عصى، ولم يخرج عن ملكه بالإرسال، لأنه يشبه سوائب الجاهلية، كما تقدم في باب الصاد المهملة.
وقياسا على ما لو سيب دابة، قال القفال: والعوام يسمونه عتقا، ويحتسبونه وهو حرام، وينبغي الاحتراز عن ذلك، لأن الطائر المخلى يختلط بالطيور المباحة، فيأخذه الآخذ ظنا أنه قد ملكه، وهو لا يملكه، فيكون سببا لوقوع أخيه المؤمن في المحظورات.
واختار صاحب الإيضاح وجها ثالثا، وهو إن قصد بعتقه التقرب إلى الله تعالى، زال ملكه عنه، وإلا فلا، وإن قلنا بالوجه الأول، فإنه يعود بالإرسال إلى ما كان عليه في الأصل من حكم الإباحة، وإن قلنا بالوجه الثاني، وهو الأصح كما تقدم، لم يجز لمن عرف أنه ملك الغير، ويعرف كونه ملكا للغير بكونه مخطوما، أو مقصوص الجناح، أو مقرطا، أو فيه جلاجل، أو موسوما، أو مخضوبا، أو غير ذلك مما يدل على الملك، فإن شك في كونه مملوكا، فالأصل الحل، فإن قال المرسل عند إرساله: أبحته لمن يأخذه جاز اصطياده.
وإن قلنا بالوجه الثالث، فهل يحل اصطياده؟ فوجهان: أحدهما نعم، لأنه قد عاد إلى حكم الإباحة، ولأنا لو منعنا اصطياده، لأشبه سوائب الجاهلية، وهذا هو الأصح في الروضة، والثاني المنع، كالعبد إذا عتق فإنه لا يسترق، وينبغي أن يختص هذا الوجه، بما إذا أعتقه مسلم، فإن أعتقه كافر جاز اصطياده قطعا، لأن عتقه لا يصح ويسترق عتيقه.
ومنها اعلم أن الإمام الرافعي، رحمه الله تعالى، قد أطلق القول بمنع الإرسال، ولا بد من استثناء صور: الأولى، أنه إذا كان الطائر معتاد العدو، فإنه يجوز إرساله في المسابقة. الثانية: إذا كان للطائر فرخ يخشى عليه الموت بحبس الطائر عنه، فينبغي هنا القطع بوجوب الإرسال، لأن الفرخ حيوان محترم، فيجب السعي في صيانة روحه، وقد صرح الأصحاب بوجوب تأخير الحامل وإمهالها، إذا وجب عليها الرجم أو القصاص، لأجل إرضاعها الولد.
وجزم الشيخ أبو محمد الجويني بتحريم ذبح الحيوان المأكول إذا كان حاملا بغير مأكول، وعلله بأن في ذبحه قتل ما لا يحل ذبحه، وهو الحمل وقد أطلق صلى الله عليه وسلم ظبية شكت أن لها خشفين، أي ولدين بالغابة، ففي إطلاقه صلى الله عليه وسلم إياها دليل على الوجوب، لأن ما كان ممنوعا منه ولم ينسخ ثم