وذكر ابن خلكان أن موسى بن نصير، أمير بلاد المغرب، وفد على الوليد بن عبد الملك، بعد أن فتح الغرب، إلى البحر المحيط إلى طليطلة، التي تحت بنات نعش، فأخبره بالفتح، وقدم معه بمائدة سليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام، التي وجدت في طليطلة، وكانت مصوغة من الذهب والفضة، وعليها طوق لؤلؤ وطوق ياقوت وطوق زمرد، وكان قد حملها على بغل قوي، فما سار إلا قليلا حتى تفسخت قوائمه لعظمها، وقدم معه أيضا بتيجان ملوك اليونان، مكللة بالجواهر، وثلاثين ألف رأس من الرقيق.
قال: وكان اليونان، وهم أهل الحكمة، يسكنون بلاد المشرق قبل الاسكندرية، فلما ظهرت الفرس وزاحمت اليونان على ما بأيديهم من الممالك، انتقلوا إلى جزيرة الأندلس، لكونها طرفا من آخر العمارة، ولم يكن لها ذكر، ولا ملكها أحد من الملوك المعتبرة، ولا كانت عامرة كلها، وكان أول من عمرها واختط فيها اندلس بن يافث بن نوح عليه السلام، فسميت باسمه، ولما عمرت الأرض بعد الطوفان، كانت صورة المعمور منها عندهم على شكل طائر رأسه المشرق، وذنبه المغرب، وجناحاه الشمال والجنوب، وبطنه ما بينهما، فكانوا يزدرون المغرب لنسبته إلى أخس أجزاء الطائر. وكان اليونان لا يرون فناء الأمم بالحروب، لما فيه من الأضرار والاشتغال عن العلوم، التي أمرها عندهم أهم الأمور، فلذلك انحازوا من بين يدي الفرس إلى الأندلس، فعمروها وشقوا أنهارها، وبنوا المعاقل، وغرسوا الجنان والكروم، وملئوها حرثا ونسلا، فعظمت وطابت، حتى قال قائلهم، لما رأى بهجتها: إن الطائر الذي صورت العمارة على شكله، وكان المغرب ذنبه، كان طاوسا، لأن معظم جماله في ذنبه. ولما كملت اليونان عمارة جزيرة الأندلس، جعلوا دار الحكمة والملك فيها مدينة طليطلة، لأنها وسط البلاد.
قيل: إن الحكمة نزلت من السماء على ثلاثة أعضاء: على أدمغة اليونان، وأيدي أهل الصين، وألسنة العرب.
وفي كفاية المعتقد لشيخنا الإمام العارف جمال الدين اليافعي رحمه الله، أن الشيخ العارف بالله تعالى عمر بن الفارض رحمه الله تعالى، دخل في أيام بدايته مدرسة بديار مصر، فوجد شيخا بقالا يتوضأ من بركة ماء فيها بغير ترتيب، فقال له: يا شيخ، أنت في هذا السن، وفي مثل هذا البلد، ولا تحسن الوضوء! فقال له: يا عمر ما يفتح عليك بمصر! فجاء إليه وجلس بين يديه وقال: يا سيدي ففي أي مكان يفتح علي؟ قال: بمكة، فقال له: يا سيدي وأين مكة؟ فقال له:
هذه وأشار بيده نحوها فكشف له عنها، وأمره الشيخ بالذهاب إليها في ذلك الوقت فوصل إليها في الحال، وأقام بها اثنتي عشرة سنة ففتح عليه، ونظم فيها ديوانه المشهور، ثم بعد مدة سمع الشيخ المذكور يقول: تعال يا عمر احضر موتي! فجاء إليه، فقال: خذ هذا الدينار فجهزني به، ثم احملني وضعني في هذا المكان، وأشار بيده إلى مكان في القرافة، وهو الموضع الذي دفن فيه ابن الفارض «١» ، ثم انتظر ما يكون من أمري. قال: فعانيته ولم أزل معانيا له، حتى فرغت من