للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الحرباء:]

كنيته أبو خجادب وأبو الزنديق وأبو الشقيق وأبو قادم. ويقال له جمل اليهود كما تقدم. قال الإمام القزويني في كتاب عجائب المخلوقات: لما كان الحرباء خلقا بطيء النهضة وكان لا بد له من القوت خلقه الله على صورة عجيبة فخلق عينيه تدور إلى كل جهة من الجهات، حتى يدرك صيده من غير حركة في يديه، ولا قصد إليه، ويبقى كأنه جامد، أو كأنه ليس من الحيوان.

ثم أعطي مع السكون خاصية أخرى، وهو أنه يتشكل بلون الشجرة التي يكون عليها، حتى يكاد يختلط لونه بلونها، ثم إذا قرب منه ما يصطاده من ذباب وغيره، أخرج لسانه ويخطف ذلك بسرعة، كلحوق البرق، ثم يعود إلى حاله كأنه جزء من الشجرة، وخلق الله لسانه بخلاف المعتاد ليلحق ما بعد عنه بثلاثة أشبار ونحوها، يصطاد به على هذه المسافة، وإذا رأى ما يروعه ويخوفه تشكل وتكوّن على هيئة وشكل، يفر منه كل من يريد من الجوارح ويكرهه بسبب ذلك التلون.

انتهى.

والحرباء أكبر من العظاية، وهي تستقبل الشمس وتدور معها كيفما دارت، وتتلون بحر الشمس كما قال الإمام الغزالي ألوانا مختلفة، فتتلون إلى حمرة وصفرة وخضرة وما شاءت. وهو ذكر أم حبين والجمع الحرابي والأنثى حرباءة. قال رجل: خاصمت ابن أخي إلى معاوية فجعلت أحجه، فقال: أنت كما قال الشاعر «١» :

إني أتيح له حرباء تنضبة ... لا يرسل السماق إلا ممسكا ساقا

أراد بالساق هنا الغصن من أغصان الشجرة. والمعنى: أنه لا تنقضي له حجة حتى يتمسك بأخرى، تشبيه بالحرباء. قال الجوهري: ويقال حرباء تنضب كما يقال ذئب غضى. والتنضب شجر يتخذ منه السهام والتاء زائدة لأنه ليس في الكلام فعلل، وفي الكلام تفعل مثل تقتل وتخرج، والواحدة تنضبة، ويقال لها أيضا حرباء الظهيرة. وهي دويبة غبراء ما دامت فرخا، ثم تصفو وهي أبدا تطلب الشمس، فحين تبدو تنحرف بوجهها إليها حتى إذا استوت الشمس، علت رأس شجرة وما يجري مجراها، فإذا صار قرص الشمس فوق رأسها، بحيث لا تراها أصابها مثل الجنون، فلا تزال طالبة لها، ولا تفتر إلى أن تتصوّب إلى جهة المغرب، فترجع بوجهها إليها مستقبلة لها، ولا تنحرف عنها إلى أن تغيب الشمس، فإذا غابت الشمس، طلب هذا الحيوان معاشه ليله كله إلى أن يصبح. حتى إن طائفة من المتكلمين على طبائع الحيوان، يقولون: إنه مجوسي ولسانه طويل جدا مقدار ذراع كما تقدم، وذلك دليل على أنه يكون مطويا في حلقه، وهو يبلغ به ما بعد عنه من الذباب والأنثى من هذا النوع تسمى أم حبين. وستأتي في آخر الباب.

وقد سمي أبو النجم في بعض شعره الحرباء بالشقي، وليس الشقي باسم للحرباء، وإنما سماه به لاستقباله الشمس، كذا ذكره في المحكم في العين والنون والباء.

وهذا الحيوان يوصف بالحزم لأنه، مع تقلبه مع الشمس، لا يرسل يده من غصن حتى يمسك غيره، وهو يشبه رأس العجل وعلى هيئة السمكة الصغيرة، وله أربعة أرجل كسام أبرص. وذكر الشيخ جمال الدين بن هشام، في شرح بانت سعاد، أن للحرباء سناما كسنام البعير وإنه يتلون ألوانا، ويكنى أبا قرة، وهي تتلون بلون الشجرة، التي تكون عليها، حتى تكاد تختلط بلونها، فإذا

<<  <  ج: ص:  >  >>