صيانة الخيل عن مزاوجة الحمير، وكراهة اختلاط مائها بمائها لئلا يكون منها الحيوان المركب من نوعين مختلفين. فإن أكثر الحيوانات المركبة من نوعين من الحيوان أخبث طبعا من أصولها التي تتولد منها، وأشد شراسة كالسّمع والعسبار ونحوهما. ثم إن البغل حيوان عقيم ليس له نسل ولا نماء ولا يذكى ولا يزكى ثم قال: ولا أرى لهذا الرأي طائلا، فإن الله تعالى قال: وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً
. «١» فذكر البغال وامتن علينا بها، كامتنانه بالخيل والحمير، وأفرد ذكرها بالاسم الخاص الموضوع لها، ونبه على ما فيها من الأرب والمنفعة. والمكروه من الأشياء مذموم، لا يستحق المدح ولا يقع الامتنان به، وقد استعمل صلى الله عليه وسلم البغل واقتناه وركبه حضرا وسفرا، ولو كان مكروها لم يقتنه ولم يستعمله، انتهى.
وروى مسلم عن يزيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم في حائط لبني النجار، على بغلة، ونحن معه، إذ حادت به فكادت أن تلقيه، وإذا أقبر ستة أو خمسة أو أربعة، فقال صلى الله عليه وسلم:«من يعرف أصحاب هذه الأقبر» فقال رجل: أنا فقال: «متى مات هؤلاء» ؟ قال: ماتوا على الإشراك. فقال صلى الله عليه وسلم:«إن هذه الأمة تبتلى في قبورها، فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله عزّ وجلّ أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه» . ثم أقبل النبي صلى الله عليه وسلم علينا بوجهه الكريم، فقال:«تعوّذوا بالله من عذاب القبر» . فقالوا: نعوذ بالله من عذاب القبر. فقال:
«تعوّذوا بالله من عذاب النار» . فقالوا: نعوذ بالله من عذاب النار. فقال:«تعوّذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن» . فقالوا: نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن. فقال:«تعوّذوا بالله من فتنة الدجال» . «٢» فقالوا: نعوذ بالله من فتنة الدجال.
[فائدة أخرى]
: كانت بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم الدلدل، التي يركبها في الأسفار، أنثى كما أجاب به ابن الصلاح وغيره. وعاشت بعده حتى كبرت وزالت أضراسها، فكان يحش لها الشعير إلى أن ماتت بالبقيع، في زمن معاوية رضي الله تعالى عنه، وكانت شهباء، ونقل الحافظ قطب الدين في شرح السيرة، عن شرح الجامع الكبير، أنه لو حلف لا يركب بغلا فركب ذكرا أو أنثى يحنث، لأنه اسم جنس. وكذلك البغلة والهاء فيها للإفراد، وهاء الإفراد تقع على الذكر والأنثى، كالجرادة والتمرة. وكذا لو حلف لا يركب بغلة فركب ذكرا أو أنثى حنث أيضا. ثم قال: وأجمع أهل الحديث على أن بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت ذكرا لا أنثى ثم عد للنبي صلى الله عليه وسلم، خمس بغال. وقال السهيلي: ومما ذكر في غزوة حنين، أن النبي صلى الله عليه وسلم، «أخذ وهو على بغلته حفنة من البطحاء، فرمى بها في وجوه الكفار، وقال: شاهت الوجوه فانهزموا» . وكانت البغلة ضربت ببطنها الأرض، حتى أخذ الحفنة، ثم قامت. قال: وتلك البغلة هي التي تسمى البيضاء. وهي التي أهداها له فروة بن نعامة وفي معجم الطبراني الأوسط، من حديث أنس رضي الله تعالى عنه، قال: لما انهزم المسلمون