أبا، فقال له زيد: لا أوافقك على أن تجعله أبا. فخرج عمر رضي الله تعالى عنه مغضبا، ثم أرسل إليه في وقت آخر، فكتب إليه زيد رضي الله تعالى عنه مذهبه فيه، في قطعة قتب وضرب له مثلا بشجرة نبتت على ساق واحد، فخرج منها غصن ثم خرج من الغصن غصن آخر، فالساق يسقي الغصن فإن قطع الغصن الأول رجع الماء إلى الغصن الثاني، وإن قطع الغصن الثاني رجع الماء إلى الغصن الأول. فلما أتى عمر رضي الله تعالى عنه كتاب زيد، خطب الناس ثم قرأ قطعة القتب عليهم، ثم قال: إن زيدا قد قال في الجد قولا وقد أمضيته.
[تذنيب:]
روى الإمام الحافظ أبو عمر بن عبد البر وغيره أن أبا خراش الهذلي الشاعر، واسمه خويلد بن مرة مات في زمن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه من نهش حية، وكان ممن يعدو على قدميه، فيسبق الخيل، وهو القائل:
رقوني وقالوا يا خويلد لا ترع ... فقلت وأنكرت الوجوه هم هم
وكان ممن أسلم وحسن إسلامه. وكان سبب موته أنه أتاه نفر من اليمن قدموا حجاجا فنزلوا به، وكان الماء بعيدا عنهم. فقال لهم: يا بني ما أمسى عندنا ماء، ولكن هذه برمة وقربة وشاة فردوا الماء وكلوا شاتكم ثم دعوا قربتنا وبرمتنا عند الماء حتى نأخذهما فقالوا: لا والله ما نحن بسارين ليلتنا هذه. فلما رأى ذلك أبو خراش أخذ قربته وسعى نحو الماء، تحت الليل، حتى استقى، ثم أقبل صادرا، فنهشته حية قبل أن يصل إليهم، فأقبل مسرعا حتى أعطاهم الماء وقال:
اطبخوا شاتكم وكلوا، ولم يعلمهم بما أصابه، فباتوا يأكلون حتى أصبحوا، وأصبح أبو خراش في الموت، فلم يبرحوا حتى دفنوه. فلما بلغ عمر رضي الله تعالى عنه خبره غضب غضبا شديدا وقال:
لولا أن تكون سنة لأمرت أن لا يضاف يماني أبدا، ولكتبت بذلك إلى الآفاق. ثم كتب إلى عامله باليمن أن يأخذ النفر الذين نزلوا بأبي خراش، فيغرمهم ديته ويؤدبهم بعد ذلك بعقوبة جزاء لفعلهم.
[غريبة أخرى:]
ذكر القاضي الإمام شمس الدين أحمد بن خلكان في وفيات الأعيان في ترجمة «١» عماد الدولة أبي الحسن علي بن بويه، وكان أبوه صيادا: ليست له معيشة إلا صيد السمك، وكان له ثلاثة أولاد: عماد الدولة أكبرهم، ثم ركن الدولة الحسن، ثم معز الدولة.
والجميع ملكوا وكان عماد الدولة سبب سعادتهم وانتشار صيتهم فإنهم ملكوا العراقين والأهواز وفارس، وساسوا أمور الرعية أحسن سياسة. قال: ومن عجيب ما اتفق لعماد الدولة، أنه لما ملك شيراز في أول ملكه، اجتمع أصحابه وطالبوه بالأموال، ولم يكن عنده ما يرضيهم به، فأشرف أمره على الانحلال، فاغتم لذلك، فبينما هو مفكر وقد استلقى على ظهره في مجلس قد خلا فيه للتفكير والتدبير، إذ رأى حية خرجت من موضع من سقف ذلك المجلس، ودخلت في موضع آخر منه فخاف أن تسقط عليه فدعا بالفراشين وأمرهم بإحضار سلم وأن يخرجوا الحية، فلما صعدوا وبحثوا عنها، وجدوا ذلك السقف يفضي إلى غرفة بين سقفين، فعرفوه بذلك فأمرهم بفتحها ففتحت، فإذا فيها صناديق فيها خمسمائة ألف دينار، فحمل ذلك بين يديه فقسمه على