للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من يزور ذلك المسجد من المسلمين، فإذا قدم زائر، أدخل الغراب رأسه في روزنة على تلك القبة، وصاح صيحة، وإذا قدم اثنان صاح صيحتين، وهكذا كلما وصل زوار صاح على عددهم، فتخرج الرهبان بطعام يكفي الزائرين. وتعرف تلك الكنيسة بكنيسة الغراب، وزعم القسيسون أنهم ما زالوا يرون غرابا على تلك القبة، ولا يدرون من أين يأكل أو يشرب.

[عجيبة أخرى]

: قال أبو الفرج المعافى بن زكريا، في كتاب الجليس والأنيس له: كنا نجلس في حضرة القاضي أبي الحسن فجئنا على العادة فجلسنا عند بابه، وإذا أعرابي جالس كانت له حاجة، إذ وقع غراب على نخلة في الدار فصرخ ثم طار، فقال الأعرابي: إن هذا الغراب يقول:

إن صاحب هذه الدار يموت بعد سبعة أيام، قال: فزجرناه فقام وانصرف، ثم خرج الإذن من القاضي إلينا فدخلنا فوجدناه متغير اللون مغتما، فقلنا له: ما الخبر؟ فقال: رأيت البارحة في النوم شخصا يقول:

منازل آل عباد بن زيد ... على أهليك والنعم السلام

وقد ضاق صدري لذلك، فدعونا له وانصرفنا. فلما كان في اليوم السابع من ذلك اليوم دفن. قال القاضي أبو الطيب الطبري: سمعت هذه الحكاية من لفظ شيخنا أبي الفرج المذكور.

[عجيبة أخرى]

: قال يعقوب بن السكيت: كان أمية بن أبي الصلت في بعض الأيام يشرب، فجاء غراب فنعب نعبة، فقال له أمية: بفيك التراب، ثم نعب أخرى، فقال له أمية:

بفيك التراب. ثم أقبل على أصحابه، فقال: أتدرون ما يقول هذا الغراب؟ زعم أني أشرب هذا الكأس فأموت، وأمارة ذلك أنه يذهب إلى هذا الكوم فيبتلع عظما فيموت. قال: فذهب الغراب إلى الكوم فابتلع عظما فمات ثم شرب أمية الكأس فمات من حينه اهـ.

قلت: وأمية بن أبي الصلت الكافر مذكور في مختصر المزني والمهذب وغيرهما، في كتاب الشهادات. وسمع النبي صلى الله عليه وسلم شعره الذي فيه حكمة واقراره بالوحدانية والبعث. واسم أبي الصلت عبد الله بن ربيعة بن عوف وكان أمية يتعبد في الجاهلية، ويؤمن بالبعث وينشد في ذلك الشعر الحسن وأدرك الإسلام ولم يسلم. وروى الترمذي والنسائي وابن ماجه عن الشريد بن سويد رضي الله تعالى عنه، قال: ردفت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال: «هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت شيء» «١» قلت: نعم. فقال: «هيه» فأنشدته بيتا، فقال: «هيه» ثم أنشدته بيتا.

فقال: «هيه» حتى أنشدته مائة بيت فقال صلى الله عليه وسلم: «إن كاد ليسلم» . وفي رواية: «لقد كاد أن يسلم بشعره» وإنما قال صلى الله عليه وسلم ذلك لما سمع قوله:

لك الحمد والنعماء والفضل ربّنا ... فلا شيء أعلى منك حمدا وأمجد

وفي مسند الدارمي، من حديث عكرمة، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: صدّق النبي صلى الله عليه وسلم أمية بن أبي الصلت في أبيات من شعره في قوله «٢» :

<<  <  ج: ص:  >  >>